وَيسْرُدُ الصَّوم، فأقام على ذلك مدَّة، فكان إذا قعد إليه إنسان ذاكره أمر الدِّين، وزهَّده في الدُّنيا، وأعلمه أنَّ الصَّلاة المفترضة على النَّاس خمسون صلاة في اليوم واللَّيلة، حتَّى فشا ذلك عنه، ثمَّ أعلمهم أنَّه يدعو إلى إمام من أهل البيت ﵈.
وكانوا يقعدون إليه، ويحدِّثهم بمثل هذا وأشباهِه، وكان يقعد إلى بقَّال في القرية، وبالقرب منه نَخْل اشتراه قوم من التُّجَّار، فسألوا البقَّال أن يطلب لهم رجلًا يحفظ عليهم التَّمر، فدلَّهم عليه، فكان يأخذ من البقَّال كلَّ ليلة رطلَ تمر، فيفطر عليه، ويبيع للبقَّال النَّوى، وبلغ التُّجار، فأتوا إليه، وضربوه، وقالوا: ما كفاك أن أكلتَ التَّمر حتَّى بعتَ النَّوى؟ فقال لهم البقَّال: ويحكم، لقد ظلمتموه؛ فإنَّه لم يأكل من تمركم، وإنَّما كان يشتري منِّي التمر فيفطر عليه، ويبيعني النوى، فندموا على ضربه، وسألوه أن يجعلهم في حِلٍّ ففعل، فازداد نُبْلًا عند أهل القرية، ومرض فرمى بنفسه على الطَّريق.
وكان في القرية رجل اسمه حَمدان، ويقال له: كرميته، وتفسيره بالنبطيَّة: الأحمر العين، وكان له ثوران يحمل عليهما غلَّات السَّواد، فقال البَقَّال لكرميته: هذا الخراسانيُّ رجل صالح وغريب ومريض، فاحمله إلى منزلك. فحمله وأقام عنده حتَّى برأ، ثمَّ كان يأوي إلى منزله، ووصف مذهبه لأهل تلك النَّاحية فاتَّبعوه، فكان يأخذ من كلِّ رجل دينارًا، واتَّخذ منهم اثني عشر نقيبًا [كما فعل موسى وعيسى بالحواريين]، وفرض عليهم في كلِّ يوم خمسين صلاة ووظائف للعبادات، فاشتغلوا بها عن أعمالهم، فخربت الضياع وتعطَّلت المصالح.
وكان للهَيْصَم هناك ضياع، فقصَّروا في عمارتها، فسأل عن ذلك [فقيل له: إنَّ رجلًا ظهر فيهم، وأظهر لهم مذهبًا، وفرض عليهم كذا وكذا،] فأُخبر بخبره، فطلبه، فحضر، فسأله عن أمره، فدعاه إلى مذهبه، فحبسه في بيت، وأقفل عليه الباب، وحلف ليَقْتُلَنَّه، وترك مفتاح القفل تحت رأسه ونام، وسمعتْه جاريةٌ من جواريه فرقَّت له، وأخذت المفتاح، وفتحت عليه وأخرجته، وقفلت الباب، وأعادت المفتاحَ إلى مكانه، وانتبه الهَيْصَم ففتح الباب، فلم يجده، وقال النَّاس: رُفع إلى السَّماء.
ثمَّ ظهر في مكان آخر، فسألوه عن قصَّته فقال: من تعرَّض لي بسوء هلك.
ثمَّ هرب إلى الشَّام فلم يُعرف له خبر، وسمِّي كرميته باسم الرَّجل الذي كان في