إليهم: إني قد اخترتكم على أهل الأمصار، وإني على الأثر.
وحكى الطبري عن [محمد بن] عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه قال: كتب علي إلى أهل الكوفة: من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى سادات أهل الكوفة، أما بعد، فإني قد اخترتُكم، واخترتُ النُّزولَ بين ظَهرانيكم؛ لما أعرف من مودَّتِكم وحبّكم لله ورسوله، فمن جاءني ونصرني فقد أجاب الحقَّ وقضى ما عليه.
قال ابن أبي ليلى: بعث بالكتاب مع محمد بن أبي بكر ومحمد بن عوف، وقيل: محمد بن جعفر، فجاء الناس إلى أبي موسى يَستشيرونه في الخروج، فقال أبو موسى: أما سبيلُ الآخرة فأن تُقيموا، وأما سبيلُ الدنيا فأن تَخرجوا، وأنتم أعلم، وبلغ المحمَّدَين فأتيا أبا موسى فأغلظا له، فقال: أما والله إن بيعة عثمان في عُنقي وفي عُنق صاحبكما الذي أرسلكما، وإن أرادنا أن نُقاتل معه لا نُقاتل حتى لا يَبقى أحدٌ من قتَلَةِ عثمان إلا قُتل.
فانطلقا إلى علي، فوافياه بذي قار، فأخبراه الخَبَر، فقال علي للأشتر ولعبد الله بن عباس: اذهبا إلى أبي موسى، فقدِما عليه وكلَّماه، واستعانا عليه بأناس من أهل الكوفة، فأجاب بنحو ما أجاب في الأول، وذكر خُطبة طويلةً منها:
أيها الناس إن أصحاب رسول الله ﷺ الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله ورسوله ممّن لم يصحبه، وإن لكم علينا حقًّا فأنا مُؤدِّيه إليكم، كان الرأي أولًا أن لا تستخِفّوا بسلطان الله، ولا تجترؤوا على الله، وكان الرأي الثاني أن تأخذوا مَن قَدِم عليكم من أهل المدينة، فتردّوهم إليها حتى يَجتمعوا، فهم أعلم بمَن تصلح له الإمامة منكم، ولا تَكلَّفوا الدخولَ في هذا، فأمّا إذا كان ما كان فإنها فتنةٌ صَمَّاء، النائم فيها خيرٌ من اليقظان، واليقظان فيها خيرٌ من القاعد، والقاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الرّاكب، فكونوا جُرثومةً من جراثيم العرب، فأغمِدوا السّيوف، وأنصِلوا الأسنة، واقطعوا الأوتار، وآووا المظلوم المضطهد، حتى يلتئمَ هذا الأمر، وتَنجليَ هذه الفتنة.
وقال سيف، عن أشياخه منهم محمد وطلحة: ولما بلغ عليًّا ﵇ الخبرُ أرسل الحسن بن علي، وأرسل معه عمار بن ياسر، وقال لعمار: انطلق فأصلح ما أفسَدْتَ، فأقبلا حتى قدما الكوفة، فدخلا المسجد، فأول مَن أتاهما مَسروق بن