قال أبو بكر الأصفهاني خادم الشِّبلي: كنت بين يدي الشِّبلي يوم الجمعة في الجامع، فدخل ابن سمْعون وهو صبيّ وعلى رأسه قَلَنْسوة وهو مُطَيلَش فوقَها بفوطة، فجاز علينا وما سلَّم، فنظر الشِّبليُّ إلى ظهره وقال لي: يا أبا بكر، هل تدري أيَّ شيءٍ للهِ في هذا الفتى من الذخائر؟.
وقال أبو الفتح بن القَّواس: أضقتُ إضاقةً شديدةً، ولم يكن عندي غير قوسٍ وخُفَّين، فقلتُ: أبيعُهما. وحضرتُ مجلسَ ابنِ سَمْعون، فالتفتَ إليَّ وقال: لا تَبِعِ القوسَ والخُفَّين، فإن الله يأتيك بالرزق من عنده.
وقال رجاء مولى الطائع لله: أمرني الطائعُ أن أُوَجِّه إلى ابن سَمعون فأُحضِرَه إلى دار الخلافة، ورأيتُ الطائع على صفةٍ من الغضب -وكان ذا حِدَّة (١) - فبعثتُ إلى ابن سَمعون وأنا مشغولُ القلب لأَجلِه، فلمَّا حضرَ أعلمتُ الطائعَ، فجلسَ مجلِسَه، وأذِنَ له في الدخول، فدخَلَ وسلَّم عليه بالخلافة، ثم أخذ في وَعْظِه، فأوَّلُ ما قال: رُويَ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (﵁) … وذكر عنه خبرًا، ولم يزَلْ يجري في ميدان الوعظ حتى بكى الطائع وسُمِعَ شهيقُه، وابتلَّ منديلٌ بين يديه بدموعه، وأمسك ابن سَمْعون حينئذٍ، ودفع إلى الطائع دُرجًا فيه طيبٌ وغيرُه، فدفعتُه إليه وانصرف، وعُدتُ إلى حضرة الطائع فقلت: يا مولاي، رأيتُكَ على صفةٍ من شدة الغضب على ابن سَمعون، ثم انتقلْتَ عن تلك الصفة عند حضوره، فما السبب؟ فقال: رُفِعَ إليَّ أنه ينتقص عليَّ بن أبي طالب، فأحببتُ أن أتيقَّن ذلك لأُقابِلَه عليه إن صحَّ، فلمَّا حضر افتتَحَ كلامَه بذكر عليٍّ ﵇، وأعاد وأبدى في ذلك، وقد كان له مَنْدوحة في الرواية عنه وترك الابتداءِ به، فعلمتُ أنهُ وُفِّقَ لما تزول به عنه الظنَّةُ، وتَبْرأُ ساحتُه عندي، ولعلَّه كوشِفَ بذلك.
وقال أبو الثناء شُكْر المعتضدي: لمَّا دَخل عضُدُ الدولة بغداد -وقد هلَكَ أهلُها قتلًا
(١) في النسختين الموجودتين (خ) و (ب): وكان وحده. والمثبت من المصادر.