للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الخطيب:] (١) ولد ببغداد سنة اثنتين ومئتين، ونشأ بنَيسابور، واستوطن سَمَرْقَند، وهو صاحب التَّصانيف الكثيرة، والكتب المشهورة، وسافر إلى الأمصار في طلب العلم [وسمع خلقًا كثيرًا في خراسان والعراق والشام ومصر والحجاز]، وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم في الأحكام، وكان إمامًا، عالمًا، حافظًا، زاهدًا، عابدًا، ورعًا، كثيرَ الخشوع في صلاته، قليلَ الكلام فيما لا يعنيه.

[وقال الخطيب:] وهو مصنف كتاب "القسامة" وهو كتابٌ عزيزُ الوجود.

وقال عبد الله بن محمد الثَّقفيُّ: جالست محمدَ بن نصر أربعَ سنين فلم أسمعه في تلك المدَّة يتكلَّم في غير العلم.

وحكى الحاكم عنه أنَّه كان يتمنَّى الولدَ على كِبَر سنِّه، فجاءه رجل من أصحابه وعنده جماعة يذاكرهم العلم، فسارَّه في أُذنه بشيء، فرفع أبو عبد الله يديه وقال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ﴾ [إبراهيم: ٣٩] ثمَّ مسح وجهه بباطن كفَّيه، ورجع إلى ما كان فيه، فرأينا أنَّه استعمل في تلك الكلمة الواحدة ثلاث سنن؛ سمَّى الولدَ، والثانية: حَمِد الله تعالى على الموهبة، والثالثة: أنَّه سمَّاه إسماعيل لأنَّه وُلد على كِبَر، وقد قال الله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: ٩٠].

وقال الحاكم: سمعت محمد بن يعقوب الحافظ يقول: ما رأيت (٢) أحسنَ صلاةً من محمد بن نصر؛ كان الذُّباب يقع على أُذنه، فيَسيل الدَّم ولا يذبُّه عن نفسه، ولقد كنَّا نتعجب من حُسْن صلاتِه وخشوعه.

وقال [الخطيب بإسناده عن عثمان بن جعفر اللبَّان قال: حدَّثني] محمد بن نصر [قال:] خرجتُ من مصر ومعي جاريةٌ لي، فركبتُ البحر أريد مكَّة، فغرقتُ، وذهب منِّي ألفا جزء، وصرت إلى جزيرة ومعي الجارية فما رأينا فيها أحدًا، فأخذني العطشُ، فلم أقدر على الماء، فوضعت رأسي على فخذ جاريتي مستسلمًا للموت، فإذا رجل قد جاءني ومعه كُوز ماء، فقال: هاه، فأخذتُه وشربتُ وسقيتُ الجارية، فما


(١) في تاريخه ٤/ ٥٠٨، وينظر المنتظم ١٣/ ٥٤ - ٥٧، وتاريخ الإسلام ٦/ ١٠٤٥ - ١٠٤٩.
(٢) في (خ): وقال الحافظ محمد بن يوسف: ما رأيت، والمثبت من (ف م ١)، والخبر في المنتظم ١٣/ ٥٥.