للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي المُحرَّم وصل ملك الروم إلى بلد حلب في مئين ألوف، فخرج إليه محمود بن الزَّوقلية وابنُ خان والغُزُّ وبنو كلاب، وأوقعوه دفعة، وانهزم المسلمون، وفتحت الروم حصني عِمّ وأَرْتَاح (١)، وكان الغُزُّ وبنو كلاب قد فتحوهما قبل ذلك، وانبسط الروم إلى منبج، وكان أكثرُ أهلها قد هربوا منها، وبلغ كراءُ الراحلة منها إلى حلب ثمانين دينارًا، وحصرها الروم، فاستأمن إليهم عددٌ ممَّن تخلَّف فيها وفتحوها لهم، فقتلوا مَنْ لم يستأمِنْ إليهم من المسلمين، ونقضوا من سورها ما بنوا بحجارته حصنًا كان قديمًا فيها، ورتبوا أصحابهم في الحصين وجعلوه معقلًا لهم، وفرَّقوا في المستأمَنة مالًا كبيرًا عوضًا عما ذهب منهم، وأحسنوا إليه، وأفاضوا العدل فيه تقويًا بهم على حفظ البلد، ووقع الغلاء في عسكر الروم لكثرتهم وقِلَّة ميرتهم لما توالى عليهم من إحراق التركمان بلادهم ونهبها، وزاد الغلاء حتى بيع رطل خبز بدينار، وستُّ كُفوف شعيرٍ إلى (٢) سبعة بدينار.

وبلغ صاحبَ الروم أن الإفشين فتح عمورية ونهبها، فعاد إلى القسطنطينية بعساكره، وبقيت منبج في يد أصحابه في الحصين والبلد على حالها، واسم هذا الملك أزدوخانس أقام ملكًا ثلاثين سنة.

وفي يوم الأربعاء ثاني عشر صفر عاد الوزير فخر الدولة أبو نصر إلى بغداد، وسببه أنَّه لمَّا فارقها زادت الرغبات في خدمة الخليفة، واختلفت الآراء والأهواء، فوقع العزمُ على ابن عبد الرحيم، وكتب الخليفةُ إليه بالقُدوم من مستقرِّه في مطيرآباذ إلى الفلُّوجة حِلَّة دُبيس، فقَدِمها على إضاقةٍ شديدة، وبذلِ من أشار به عشرة آلاف دينار لم يكن لها وجهٌ، وورد أبو المعالي أخو الوزير أبو العلاء النازل على هزارسب بكتاب من ألب أرسلان شفاعةً بأن يستوزر أبا العلاء، وأظهر الخليفة أنَّ أمر ابن عباد قد تقرَّر، ولو سبق هذا لوقعت الإجابة إليه، وفي ليلةِ ردِّ الخليفة هذه الشفاعة رأى نجاحٌ الخادمُ الخاصُّ في منامه النبيَّ وهو يدقُّ عليه بابه، فقال الخادم: من أنت؟ فقال: رسول الله. فقال له وقد ذهل: هل من حاجة؟ فقال: جئتُ أُبشِّرك بعود ابن جَهير إلى الوزارة.


(١) في النسخ: أرياح، والمثبت هو الصواب كما تقدم في الصفحة ١٣٣.
(٢) في (خ): وستة إلى فوق سبعة بدينار، والمثبت من (م).