فلمَّا أصبح ذكر للخليفة ذلك، فقال: صدقَ رسولُ الله ﷺ، فلا تُشعِرَنَّ أحدًا بما رأيتَ. فلمَّا ظهر ابنُ عبد الرحيم ثار العوامُّ، وألقَوا في الجامع الرِّقاعَ فيها اللعنة على من أشار به ومن سعى له؛ لأنه كان مع البساسيري، ونهب الدار والحريم، وأقام الدعوة للمصريين مضافًا إلى قديم فِعْلِه في المصادرات، وقالت الست أرسلان زوجةُ الخليفة: هذا ممَّن نهبني، وأخذ مالي، وسعى في قتل عساكر عمي، ومتى ورد قبضتُ عليه. فتوقَّفَ أمرُه، وكان فخر الدولة يواصل المكاتبة ويسأل في إعادته، وقامت بأمره صلف القَهرمانة وجماعةٌ من الخواص، وقالوا للخليفة: إذا استخدمتَ وزيرًا جديدًا غضب ألب أرسلان حيث ردُّوا شفاعته في أبي العلاء، فإذا أُعيد الوزير القديم انقطع الخطاب، وسقط العتاب، وبذلتَ عشرةَ آلاف دينار وخمسةَ عشر ألف دينار. فأجاب وكوتب بالرجوع، وأُعفي من المال، وبرز توقيع الخليفة: قد أعفيناه من المال، ورأينا إعادته؛ لعلمنا أنَّ مَنْ عوَّض علينا لا نقاربه ولا نوازيه، ولا نشبهه ولا نضاهيه. وبعث إليه من خواصِّ خدمه مسعود وصافي، بحاجب الحُجَّاب أبي عبد الله المردوسي، فمضوا إلى حِلَّة ابن مزيد، وعاد يوم الثلاثاء حادي عشر صفر ونزل بالنجمي، واستأذن في العبور، فأذن له، ولم يبقَ ببغداد أحد، وجاؤوا إليه، وأظهر الخاصُّ والعامُّ من السرور بعوده شيئًا مفرطًا، وعبر في الزبزب إلى مَشرعة دار دينار، وركب في الجمع العظيم إلى الحَلْبة ولمَّا وصل إلى المنظرة نزل تحتها وقبَّل الأرض ودعا، ثم ركب ودخل إلى الديوان، وتصدَّق قومٌ بعده، فدُوِّر فيها طعامٌ من أهل السوق، وصام آخرون، وذبح رجلٌ سقَّاءٌ بقرةً كان يعمل عليها ويتقوَّتُ منها، وتصدَّق بلحمها. قال الوزير: واجتهدتُ بكلِّ مَنْ فعل ذلك أن يقبل جزاءً فلم يفعل، ولمَّا جلس في الديوان أنهى حضوره، فخرج توقيعُ الخليفة بما طيَّبَ قلبَه، فلمَّا كان يوم الأربعاء ثالث ربيع الأول جلس الخليفةُ في التاج، وأوصل إليه الوزيرَ وولديه عميدَ الدولة وزعيمَ الرؤساء، فلما وقعت عينُ الوزير على الخليفة خَذِم (١) وقال: الحمد لله جامع الشملَ