للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جاءت به، ودفعتهُ إلى كافور الخادم، وقالت: فيه نصيحةٌ لأمير المؤمنين، فإن طلبتموني ففي المكان الفلاني، فلمَّا وقف عليه المهتدي طلبَها في المكان، فلم يوجد لها أثر، فدعا المهتدي سليمان بن وهب، وموسى بن بغا، ومُفْلِح، وباكباك، وياجور، وأعيانهم، ودفع الكتابَ إلى سليمان وقال: أتعرفُ هذا الخط؟ قال: نعم، هذا خطُّ صالح، فقرأه عليهم، وفيه يذكر أنه مستخفٍ بسامرّاء، وإنَّما استتر خوفًا من الفتن واتصال الحروب، وأنَّ الأموال علمُها عند الحسن بن مَخْلَد، وذكر وجوهًا في تفرقة أموال قبيحة وغيرها، وكان كتابه يدلُّ على قوَّةٍ في نفسه.

فذكر المهتدي ما يدلُّ على الصلح ودفع الفتن، فلمَّا سمعَ القومُ اتَّهموه بأنَّه يعلمُ علمَ صالح، وأنَّه يتقدَّمهم عنده، فكان بينهم في هذا كلام، فأصبحُوا يوم الخميس لليلتين بقيتا من المحرم، فصاروا إلى دار موسى بن بُغَا، وتراطنوا وتكلَّموا في خلع المهتدي وقتله، فقال لهم باكباك (١): ويحكم، قتلتُم ابنَ المتوكِّل وهو حسن الوجه، سخيُّ النفس، وتريدون أن تقتلوا هذا، وهو مسلمٌ يصوم ويصلِّي، ولا يشرب النبيذ، من غير ذنب! والله لئن فعلتم هذا لأَصِيرَنَّ إلى خُراسان، ولأُشِيعَنَّ أمركم هناك.

وبلغ المهتدي، فخرج إلى مجلسه وقد لبس ثيابًا بياضًا، وتطيَّب، وتقلَّد بسيف، ثمَّ أمرَ بإدخالهم إليه، فقال لهم: قد بلغني ما أنتم عليه، ولستُ كمن تقدَّمني مثل أحمد المستعين، ولا مثل ابن قبيحة، والله ما خرجتُ إليكم إلَّا وأنا متحنِّط، وقد أوصيتُ إلى إخوتي بولدي، وهذا سيفي، والله لأضربنَّ به ما استمسكت قائمتُه بيدي، ولئن سقط مني شعرة، ليذهبنَّ بها أكثركم، أمَّا دين! أما حياء! أما رِعَة (٢)! كم يكون الخلافُ على الخلفاء، والإقدامُ والجرأةُ على الله؟! ثم قال: ما أعلم علم صالح. قالوا: فاحلف لنا، فقال: إذا كان يوم الجمعة وحضرَ القضاة والهاشميون والشهود والقوَّادُ، فإذا صلَّيتُ الجمعة حلفتُ لكم، ليكون اليمينُ بحضرتهم، فرضوا بذلك، وانفصلوا على هذا.

ثمَّ ورد مال من فارس والأهواز يوم الأربعاء لثلاثٍ بقينَ من المحرم، ومبلغُه عشرة


(١) كذا في الكامل ٧/ ٢١٩، وتاريخ الإسلام ٦/ ١٢، والقائل كما في تاريخ الطبري ٩/ ٤٤٢ أخو باكباك.
(٢) الرعة: التقى، من وَرع يرع رِعةً. انظر مختار الصحاح (ورع).