وقال ابن الكلبي: جاع الناس واشتدَّ الأمر، وجاء هولٌ لم يُعْهَدْ مثله، ولما كان ابتداء القحط، بينما الملك ذات ليلةٍ نائم استيقظ وقد أصابه جوعٌ شديد فصاح: يا يوسف الجوع، فقال يوسف: هذا أوان القحط. ودخلت السنة الأولى، باعهم يوسف الطعام بالنقود حتَّى لم يبقَ عندهم درهم ولا دينار حتَّى قبضه، وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجواهر حتَّى لم يبق في أيدي الناس منها شيء، ثم باعهم في السنة الثالثة بالمواشي والدواب حتَّى احتوى على الجميع، ثم باعهم في السنة الرابعة بالعبيد والإماء بأسرهم، ثم باعهم في السنة الخامسة بالعقار والضياع والدور حتَّى احتوى على الجميع، ثم باعهم في السنة السادسة بأولادهم حتَّى استرقهم، ثم باعهم في السنة السابعة برقابهم حتَّى صار جميع من بمصر عبيدًا له. فقال الناس: تالله ما رأينا كاليوم ملكًا أجلَّ ولا أعظم من هذا (١).
وقال وهب: مدَّ السيل بمصْرَ فحسر عن غارٍ في أصل جبل المُقَطَّم، فأبدى عن بيتٍ عليه مصراعان، ففتحوهما فإذا ببَهْو فيه سرير من ذهبِ، وعليه امرأةٌ عليها سبع عقود وسبع أساور، وعند رأسها لوحٌ من ذهب فيه مكتوب: أنا شادةُ الملكة بنتُ الملكِ الفلاني أصابتنا مجاعةٌ في زمن يوسف فبذلت صاعًا من درٍّ في صاع من برّ فلم يوجد، فطحنت الدرَّ وأكلته فمتُّ جوعًا.
ثم قال يوسف للملك: كيف رأيت الله خوَّلني، أو كيف رأيت صُنْعَ الله فيما خولني؟ فماذا ترى؟ فقال: نحن لك تبع، قال: فإني أُشهد الله وأُشهدك أني قد أعتقت أهل مصر عن آخرهم ورددتُ عليهم أموالهم وأملاكهم.
وروي: أن يوسف كان لا يشبعُ في تلك الأيام من طعام، فقيل له: أتجوع وبيدك خزائن مصر؟ فقال: أخاف إن شبعت نسيت الجياع. وأمرَ خبازَ الملكِ وطباخَه وساقيه أن يجعلوا طعامَهُ نصفَ النهار، فلذلك جعل الملوكُ طعامهم نصف النهار، وما فعل ذلك إلا لئلا ينسى المَلِكُ الجياع.