الفُرس ستةُ آلاف في المعركة، وأشرفوا على الهزيمة، ثم أهوى أبو عبيد إلى مشفر الفيل الأبيض، فخطمه بالسيف فقطع مِشفره، وصاح الفيل صيحةً هائلةً منكرة، وخبط أبا عبيد خبطةً، ووقع عليه فمات، ولما رأى المسلمون أبا عُبيد تحت الفيل ضَعُفت نفوسُهم، وحاربوا الفيل حتى تَنحَّى عنه، فجرُّوه إلى الرَّحل.
وجال المسلمون جولةً، وركبهم أهلُ فارس، وأخذ اللواءَ سبعةٌ من المسلمين فقتلوا، وقتل الفُرسُ من المسلمين أربعةَ آلاف، وانتهى الباقون إلى الجسر وهو مقطوع فتهافتوا في الفرات، فغرق منهم خلقٌ كثير، وحمى المثنى الناس، وعقد الجسر، وعبر من بقي وهم ثلاثة آلاف، وعبر بعضُ الفُرس في آثارهم، وقيل إن الجسر كان ممدودًا، فقطعه عبد اللَّه بن مَرثَد الثقفي، ثم مَدَّه المثنى وأصحابُه حتى عبر من بقي من المسلمين، ولما قطع الجسرَ عبد اللَّه بن مَرثَد نادى: أيها الناس، موتوا على ما مات عليه أمراؤكم أو تظفروا، فجاء المثنى فضرب عبد اللَّه وقال: ويحك، ما حملك على ما صنعتَ؟ فقال: ليقاتلوا، فعقد المثنى الجسرَ وقال: أيها الناس اعبروا على هينتكم فأنا دونكم.
وقتل سَليط وسلمة بن أسلم عند الجسر، وجُرح المثنى جراحةً كانت سببَ موته، ونجا بمن بقي من الناس، ولما عبروا ارفضُّوا إلى المدينة، وبقي المثنى في عددٍ يسير، ولما وصلوا المدينة استحيوا من الهزيمة، وسبق القومَ عبدُ اللَّه بن زيد، فوافى عمر رضوان اللَّه عليه على المنبر، فصعد إليه فسارّه، فترحَّم على أبي عبيد وقال: لو انحاز إليَّ لكنت له فئةً، ثم قال للمنهزمين: أنا فِئتُكم، فطابت قلوبهم.
وقيل: إن الذي قطع الجسر عبد اللَّه بن يزيد [بن زيد] بن حُصين بن عمرو بن الحارث بن خَطْمة الأنصاري، من الأوس، وهو من الطبقة الخامسة من الصحابة ممن هم حدثاء الأسنان، وهو الذي جاء إلى عمر بن الخطاب بحديث الجسر.
قال أبو طوالة وغيره: لما برك الفيل على أبي عبيد يوم الجسر فقتله هرب الناس، فسبقهم عبد اللَّه بن يزيد الخَطْمي فقطع الجسر، وقال: قاتلوا عن أميركم، وكان عمر يتوقَّع خبر أصحابِ الجسر، وكان قد رأى رؤيا فكرهها، فكان يُكثر الخروج يطلب الخبر؛ حتى قدم عليه عبد اللَّه بن يزيد الخطمي فأخبره الخبر.
قال ابن سعد: جاء وعمر ﵁ على المنبر، فقال له: يا عبد اللَّه ما الخبر؟ قالت