وبعث هُرمز إلى [شيري بن] كسرى يَستمدُّه ويُخبره، ثم تَعجَّل إلى الكواظم في سَرَعان الناس ليَلقى خالدًا على الحَفير، فبادروهم، ونزل به، وتَهيَّأ للقتال، فجعل على مجنبته أخويه قُباذًا وأَنُو شجان - وقيل: إنهما كانا أخوين لأَرْدشير - واقترن القوم في السلاسل، فقال بعضهم: هذا طائرٌ مَشؤوم، قَيَّدتُم نفوسَكم لعدوّكم في السلاسل، فلم يلتفتوا، وقالوا: لعلكم تُريدون الهرب.
وكان هرمز سيِّيءَ الجِوار للعرب، وهم له كارهون، وكانوا يَضربون المثَلَ بخُبْثِه فيقولون: أخبث من هرمز، وكان هُرمز قد سبق إلى الماء، فعطش المسلمون، فأرسل الله غَمامة، فشربوا منها.
والتقى الفريقان، فقال هُرمز لأصحابه: إذا بارزتُ خالدًا فافتُكوا به، ونادى هرمز: ليَبرز إليَّ خالد، فبرز إليه، فتجاولا، واختلفا ضربَتين، واحتضنه خالد، وحمل أصحاب هُرمز عليه، فما شغله ذلك عنه حتى قتله، فلما قتله انهزمت الفُرس، وركب المسلمون أكتافهم إلى الليل، ومنعتْهم السلاسلُ من الهزيمة، فقُتلوا وغَنمهم المسلمون.
وقُتل من أهل فارس ثلاثون ألفًا سوى مَن غَرق، وقسم خالد الغنائم، وبعث بالأخماس إلى أبي بكر مع سعيد بن النعمان، وبعث بالسّلاسل أيضًا، فكانت وِقْرَ ألفِ بعير، على كلِّ بعير ألفُ رطل بالعراقي، فسُمّيت غزاة ذات السلاسل.
وكان فيما بعث خالد إلى أبي بكر رضوان الله عليه قَلنسوة هرمز، وهي مُرَصَّعة بالجَوْهر، وقيمتُها مئةُ ألف درهم - وكان أحدهم إذا تم شَرفه جعل قلنسوتَه كذلك - وبعث معها بفيلٍ، فكان يُطاف به في المدينة، ويَتعجَّبُ منه الناس، ثم إن أبا بكر ﵁ أعاد القلنسوة إلى خالد، نَفَّله إياها، وكان يَلبَسها في الحرب.
ثم سار خالد فنزل الجسر الأعظم بالبصرة، وسار المثنّى في آثار القوم، وأرسل معقل بن مُقَرِّن إلى الأُبُلّة فجمع الأموال والسبايا.
وقال الطبري: كانت وقعة الأُبُلَّة في سنة أربع عشرة على يد عتبة بن غزوان في أيام عمر ﵁(١).