للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقولون أَعْدِني على فلان، فانصرف الرجل، ثم ندم عمر رضوان اللَّه عليه وقال: عليَّ به، فأُتي به، فألقى إليه المِخْفَقَة وقال له: امتثل، فقال: لكن أدعُها للَّه ولك، فقال عمر: بل له، فقال: للَّه، فقعد عمر يبكي ويقول: يا ابن الخطاب، ويلك، كنتَ وَضيعًا فرفعك اللَّه، وذَليلًا فأعزَّك اللَّه، وضالًا فهداك اللَّه، ثم حملك على رقاب المسلمين، فجاءك رجل يَستَعديك على ظالمه فضَربتَه، فماذا تقول لربك غدًا؟ قال الأحنف: فمازال يُعاتبُ نفسَه ويقول: يا ابن الخطاب، واللَّه لتَتَّقِيَنَ اللَّه أو لَيُعَذِّبَنَّك.

وكان يقول: رحم اللَّه امرأً أهدى إلي عُيوبي.

واجتمع عمر وطلحة والزبير وسلمان وكعب الأحبار ، فقال عمر رضوان اللَّه عليه: ما الخليفةُ من الملك؟ فقال سلمان: الخليفة الذي يَعدِلُ في الرَّعيَّة، ويقسم بينهم بالسَّوِيَّة، ويُشفق عليهم شَفَقةَ الرَّجُلِ على أهله، وَيقضي بينهم بكتاب اللَّه.

فقال كعب: ما كنتُ أحسِبُ أن في المجلس أحدًا يعرف الخليفةَ من الملك غيري، ولكن اللَّه ألهم سلمان علمًا وحكمًا (١).

وكان عمر رضوان اللَّه عليه ينام في المسجد، فيقوم وقد أَثَّر الحصى في جَنْبِه.

ومرَّ بضَجَنان فقال: لقد رأيتُني وإني لأرعى على آل الخَطّاب في هذا المكان، وكان (٢) واللَّه ما علمتُ فَظًّا غليظًا، ثم أصبحتُ ألي أمر أمّةِ محمد ، ثم قال متمثلًا: [من البسيط]

لا شيءَ مما ترى تَبقى بَشاشَتُه … يَبقى الإلهُ ويُودي المالُ والوَلَدُ

ثم قال لبعيره: حَوْبَ، كنتُ أرعى هاهنا، وأحتَطِبُ هاهنا، وليس فوقي اليوم أحد والناسُ دوني، إنا للَّه وإنا إليه راجعون.

وكان عمر يَحمل في السنة الواحدة على أربعين ألف بعيرٍ (٣).

هجا النَّجاشي الشاعر رهطَ تَميم ابن مُقبل، فاستعدَوْا عليه عمر رضوان اللَّه عليه،


(١) انظر الأموال لابن سلام (١٢)، وطبقات ابن سعد ٣/ ٢٨٥.
(٢) في طبقات ابن سعد ٣/ ٢٤٦، وتاريخ دمشق ٥٣/ ٢٦٨: لقد رأيتني وإني لأرعى على الخطاب في هذا المكان، وكان.
(٣) طبقات ابن سعد ٣/ ٢٨٤ وفيه: ثلاثين ألف بعير.