وسار فقطع النَّهر، ونزل بَلْخ فأقام بها، وكتب [إلى] حُرَيث: لستُ آمنهم عليك إن رَدَدْتُ عليهم الرُّهون من الغارة، فإذا قَبضتَ الفِديةَ فلا تُسلم إليهم الرُّهون حتى تَقدم أرض بَلْخ، فأرسل حُرَيث إلى ملك كِيش يخبره أنه سائر بالرُّهون إلى بَلْخ، فإن عجَّلتَ ما عليك دفعتُ لك الرهون. فعجَّل ما صالح عليه، وردَّ عليهم الرهون، وسار يطلب النَّهر، فعَرض له الترك وقالوا: افْدِ نفسَك ومَن معك، فقد لَقينا يزيد بنَ المهلَّب ففدى نفسَه، فقال حُرَيث: ولَدَتْني إذًا أمُّ يزيد، ثم قاتلهم فقتلهم، وأسر منهم جماعة ففَدَوْهُم، فمنَّ عليهم، وردَّ عليهم الفِداء، وبلغ المهلَّبَ قولُه: وَلَدَتْني أمُّ يزيد إذًا، فعزَّ عليه، وقال: يَأنَفُ العبدُ أن تَلِدَه رَحِمُه! وغضب.
فلما قدم حُرَيْث على المهلَّب قال له: أين الرُّهُن؟ قال: قبضتُ ما عليهم وخلَّيتُهم، قال: ألم أكتب إليك لا تُخَلّيهم؟ قال: جاءني كتابُك وقد خلَّيتُهم، وكُفيتُ ما خِفتُ منهم، قال: كذبتَ، ولكنك تقرَّبتَ إلى مَلِكهم، وأطلعتَه على كتابي.
ثم أمر بتَجريده فجُرِّد، وكان يَظُنُّ أن به بَرَصًا (١)، فضربه ثلاثين سَوطًا، فكان حُريث يقول: وَدِدتُ أنه ضَربني ثلاثَ مئةٍ سَوْطٍ ولا جَرَّدَني، واستحيى من التَّجريد، وحلف ليَقْتُلَنَّ المهلَّب، وأمر غُلامَين بقتله، وركب يومًا وراء المهلَّب، وأشار إلى الغُلامَين أن يَقتُلاه، فأبى أحدهما وتركه وانصرف، وبقي الآخر وحدَه، فلم يُقدم على المهلّب، فلما نزل حُريث قال لهما: ما منعكما من قتله؟ قالا: خفنا والله عليك لا على أنفسنا، لعلمنا أنك ستُقْتَل.
وترك حُريث إتيانَ المهلَّب وتمارض، وعلم المهلَّب بما عَزم عليه من الفَتْك به، فقال لأخيه ثابت بن قُطْبَة: أحضِر أخاك، فإنما هو عندي كبعض وَلَدي حتى أُؤدِّبَه، فأتى ثابت أخاه، فناشده الله أن يَركبَ إلى المهلب، فأبى وخافه على نفسه، فقال ثابت: فاخرج بنا إلى موسى بن عبد الله بن خازم، فخرجا إليه.
وتوفي المهلب في سنة اثنتين -وقيل في سنة ثلاث- وثمانين، فنذكره في السنة الآتية إن شاء الله تعالى.
(١) في تاريخ الطبري ٦/ ٣٥٣: فجزع من التجريد حتى ظنَّ المهلَّب أن به بَرَصًا.