للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفشل القُرّاء، ووَهَنوا وضعفوا، فصاح بهم أبو البَخْتَريّ الطائي: ويحكم، لا يُؤثّر فيكم قتلُ جبلة، إنما هو كرجلٍ منكم، أتته مَنيَّتُه لوَقْتها.

وفرح أهل الشام وقالوا: قد هلك طاغيتُهم، وقَدِم في تلك الحال بِسطام بنُ مَصْقَلَة بن هُبَيرة الشَّيباني، فشَجَّع الناسَ قدومُه وقالوا: هذا عِوَضُ جَبَلَة.

وكان مَقدَمُ بِسطام من الرّيّ، والتقاه قُتَيبةُ بن مُسلم في الطريق، فدعاه إلى الحجاج، ودعاه بِسطام إلى ابن الأشعث، فلم يُجِب كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه.

وجاء بِسطام إلى ابن الأشعث، فأمَّره على خيل ربيعة، ثم اقتتلوا أيامًا في هذه السنة مُبارزةً وغيرها، وربما عفا بعضُهم عمَّن يَعرفه ولم يقتُلْه.

وأمر ابنُ الأشعث الكُمَيلَ بن زياد أن يَصعد المِنبر، ويحرِّضَ الناس على قتال الحجاج، ويَذكر مَساوئه، فخطب فقال: أيها الناس: إنكم قد غُلبتم على فيئكم وبلادكم، وحكم فيكم أهل الشام، وإنه والله لا يَنفي عنكم الظُّلمَ والعُدوان إلا التَّناصُحُ واجتماعُ الكلمة، والصَّبرُ على الضَّربِ بالسيف والطَّعنِ بالرُّمحْ، يا أهل العراق إنكم قد مُنيتُم (١) بشَرِّ أهل بيتين في العرب آل الحكم بن [أبي] العاص بن أمية، وآل أبي رِغال من ثَقيف، فتناصَحوا وتواسَوْا بالنفوس والأموال.

ونادى عبد الرحمن بن أبي ليلى (٢): أيُّها الناس، إني سمعتُ أميرَ المؤمنين عليَّ بن أبي طالب -رفع الله درجتَه إلى عِلَّيين، وأثابه جَزاء الشُّهداء والصِّدِّيقين- يقول ونحن بصفِّين نُحارب أهلَ الشام: قال رسول الله (٣): "مَن رأى مُنكرًا فأنكره بقلبه فقد سَلِم، ومَن أنكره بلسانه فقد أُجِر، وهو أفضلُ ممَّن أنكره بقلبه، ومَن أنكره بالسَّيف لتكونَ كلمةُ الله هي العليا، وكلمةُ الظالمين هي السُّفلى؛ فذلك الذي نَوَّر الله قلبَه، وسلك به مَسْلَك اليقين والهُدى".

ثم حرَّض الناس على القتال، وما زال القتال يَعمل بينهم [إلى] اليوم الذي انهزم فيه ابن الأشعث.


(١) في (خ) و (ب): رميتم، وفي (د): رضيتم، والمثبت من (أ)، وهو موافق لما في "أنساب الأشراف" ٦/ ٤٥٦ وما سيرد بين معكوفين منه.
(٢) سلف أول خطبته قريبًا.
(٣) كذا وقع، وهو وهم، فالكلام لعليِّ كما في تاريخ الطبري ٦/ ٣٥٧ وأنساب الأشراف ٦/ ٤٥٧.