قال هشام: نزل ابن الأشعث بدير الجَماجم يوم الثلاثاء لليلةٍ مضت من شهر ربيع الأول، سنة ثلاث وثمانين، وهُزم يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة مضت من جمادى الآخرة.
وقال الهيثم: نزلوا بدير الجماجم في سنة اثنتين وثمانين، وافترقوا عنه في سنة ثلاث وثمانين، وهو الأصح.
وقيل: أقاموا بدير الجماجم مئةَ يوم، كان بينهم فيه ثمانون وَقْعة.
وقيل: أقاموا به أربعة أشهر.
ولما كان في آخر الوقائع ظهر ابن الأشعث وكاد الحجاج أن ينهزم، وكان سُفيان بن الأَبْرد الكَلْبي على الخيل في ميمنة الحجاج، والأَبْرَد بن قُرَّة التميميّ على ميسرة بن الأشعث، فقاتله ساعة، فانهزم الأبرد وكان شجاعًا، وليس من عادته الهزيمة، وإنما نافق على ابن الأشعث، وأصلح حاله مع الحجاج.
ولما انهزم الأبرد انتقضت صفوف ابن الأشعث، وركب الناس بعضهم بعضًا، فصعد ابن الأشعث المنبر وجعل يصيح: إليَّ إلي يا عباد الله، أنا ابن محمد، فأتاه عبد الله بن رِزام الحارثي، فوقف عند المنبر، وجاءه عبد الله بن ذُؤاب السُّلَمي في أصحابه، فوقف قريبًا منه، وجاء أهل الشام فدخلوا العسكر وكبَّروا، فصعد إليه عبد الله بن يزيد بن المغَفَّل الأزديّ -وكانت مُليكة ابنة أخيه امرأة عبد الرحمن- فقال له: انزل فإني أخاف عليك القتلَ أو الأسْرَ، فنزل وخلَّى العسكر بما فيه، وانهزم أهل العراق لا يَلْوُون على شيء.
وجاء ابن الأشعث مع ابن جَعْدة بن هُبَيرة في ناس من أهله، فعبروا الفرات من عند الفَلُّوجة، وهي قرية بني جَعْدَة، وجاء بِسطام بن مَصْقَلَة فقال: هل في السفينة عبد الرحمن بن محمد؟ فلم يكلّموه، فقال:[من المتقارب]
ضَرَّمَ قيس عليَّ البلا … دَ حتى إذا اضْطَرَمَتْ أجْذَمَا
وقال الحجاج: اتركوهم فليَتَبَدَّدوا ولا تتبعوهم، ونادى منادي الحجاج: مَن رجع فهو آمن.