للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفترتْ هِمَّتُه، فقلتُ له: احْمد رَبَّك، فإنَّ الله قد نظر إليك، أَنْتَ وحدك تريد تلاقي مئة على بَغْلة! [قال:] (١) وجئنا إلى حِمْص، فجاءنا الملك المجاهد أسد الدِّين، وقَدَّم له حصانًا من خيله، فركبه، ودخل [معهم،] (١) فعمل العجائب.

[وكان يقول لصاحبه الفقيه محمَّد (٢): فيَّ وفيك نزل ﴿إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَال النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾ [التوبة: ٣٤] أنا من الرهبان، وأنت من الْأَحبار.

ذكر أخلاقه:

قد ذكرنا أن الملك الأمجد كان يزوره ويحبه. وكان الشيخ يهينه، فما قام له قط، وكان يقول له: يَا مجيد، أَنْتَ تظلم وتفعل وتصنع، وهو يعتذر إليه.

وقد ذكرنا أن العادل أظهر قراطيس سود، فقال الشيخ عبد الله: انظروا يَا مسلمين إلى هذا الشيخ الفاعل الصانع يفسد على النَّاس معاملاتهم، وبلغ العادل، فأبطلها.

وقد ذكرنا أخباره وكراماته وحكاياته، وقد ذكرنا حكايته مع النصراني، ومع المرأة التي كان معها الدابة وعليها النحاس والثياب] (١).

ذِكْرُ وفاته:

قال عبدُ الصَّمد: لما كان يوم الجمعة نزل، فصلَّى الجُمُعة بجامع بَعْلَبَك، وهو صحيحٌ ليس به شيءٌ، ودخل الحَمَّام قبل الصَّلاة واغتسل، وكان عليه ثوبان: ثوب قد سماه لأُمِّ أيدمر، والآخر لأُمِّ مهجة، وجاءه داود المؤذن، وكان يُغَسِّل الموتى، فقال له: ويحك يَا داود، انظر كيف تكون غدًا. فما فهم داود، وقال: يَا سيِّدي، كلُّنا غدًا في خِفارتك. ثم صَعِدَ الشيخ إلى المغارة، وكان قد أمر الفقراء أن يقطعوا صخرةً عند اللَّوْزة التي كان ينام تحتها، ويقعد عندها، وعندها قُبِرَ، وكان في نهار الجمعة قد نَجِزَتِ الصَّخرة، وبقي منها مقدار نصف ذراع، فقال لهم: لا تطلُعُ الشَّمْس إلَّا وقد فَرَغْتُمْ منها، [قال:] (١) وبات طول الليل يذكُرُ أصحابه ومعارفه، ويدعو لهم، ويقول:


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) هو محمَّد بن أَحْمد بن عبد الله الحنبلي، تُوفِّي سنة (٦٥٨ هـ)، وهو والد قطب الدين اليونيني، مختصر "مرآة الزمان"، انظر ترجمته في "المذيل على الروضتين": ٢/ ١٤٨.