للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلت لي: إنَّ أمرنَا لا يصلحُ إلَّا باستراحتنا من هذين، وكاشفوه فأذعنَ بالخلع كرهًا.

ولمَّا كان يومُ السبت لعشرٍ بقين من ذي الحجة ركبَ محمد بن طاهر إلى الرُّصافة، وجمعَ القضاة والشهود والفقهاء، فأدخلَهم على المستعين فوجًا فوجًا، وأشهدهم على نفسه بالخلع، وأخذ منه جواهرَ الخلافة.

واشترط المستعينُ أنْ ينزلَ مدينةَ النبيِّ ، وأن يتردَّد من المدينة إلى مكَّة، فأُجيبَ إلى ذلك، وبعثوا بالكتاب إلى المعتزّ.

وحُمِل إلى المستعين أمُّه وابنه (١) وعيالُه بعد ما فُتِّشُوا وأَخذوا ما كان معهم، فوصلُوا إلى بغداد أول سنة اثنتين وخمسين ومئتين.

وعاد أبو أحمد إلى أخيه المعتزّ بالبُرْدَةِ والقضيب والسيف وجوهر الخلافة مع شاهك الخادم.

وكان المستعين يقول: اللهمَّ إنْ كنتَ خلعتني من الخلافةِ، فلا تخلعني من رحمتك.

وأكثرت الشعراءُ فِي خلع المستعين وغدرِ ابن طاهر به، فقال شاعر: [من الطويل]

أطافت بنا الأتراكُ حولًا مكمَّلًا … وما برحت فِي حجرها أمُّ عامرٍ

أقامت على ذلٍّ بها ومهانةٍ … فلمَّا بدت أبدت لنا لؤمَ غادرِ

ولم ترعَ حقَّ المستعين فأصبحت … تعينُ عليه حادثاتُ المقادرِ

لقد جمعتْ لؤمًا وخبثًا وخِسَّةً … وأبقت لهم عارًا على آل طاهر (٢)

وقال آخر: [من الكامل]

خُلِعَ الخليفة (٣) أحمدُ بن محمدٍ … وسيقتلُ التالي له أو يُخْلَعُ

ويزولُ ملكُ بني أبيه ولا يُرَى … أحدٌ تملَّكَ منهمُ سيُمَتَّعُ

إيهًا بني العباس إنَّ سبيلَكم … فِي قتلِ أعبُدِكُم سبيلٌ مهيَعُ

رقَّعتُمُ دنياكُم فتمزَّقتْ … بكمُ الحياةُ تمزُّقًا لا يُرْقَعُ


(١) فِي تاريخ الطبري ٩/ ٣٤٥: وابنته.
(٢) مروج الذهب ٧/ ٣٦٨ - ٣٦٩.
(٣) فِي تاريخ الطبري ٩/ ٣٥٠: خُلِعَ الخلافة.