للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هُناكَ اغتصابٌ وثَمَّ انتهابٌ … ودُوْرٌ خرابٌ وكانت تَرُوقُ

إذا ما سمونا إلى مسلكٍ … وجدناه قد سُدَّ عنا الطريقُ

فبالله نبلغُ ما نرتجيهِ … وبالله ندفعُ ما لا نطيقُ

وقيل: إنَّ هذه الأبيات لعليِّ بن أميَّة فِي فتنة المأمون (١).

وفي ذي القعدة كانت بينهم وقعةٌ عظيمة وكان أبو أحمد قد نزل بباب الشماسيَّة وأخرب ما حوله، وجدَّ فِي القتال، فسألَهم ابنُ طاهر الموادعةَ لينظر فِي الأمر، فأجابه أبو أحمد، وبطل القتال، وأبواب بغداد مغلقةٌ، ولم يزل أمرُ بغدادَ يضعفُ، وأمرُ الأتراك يشتدُّ؛ لأنَّ الميرةَ كانت تأتيهم من كلِّ مكان، فصاح أهلُ بغداد: إمَّا القتال، وإمَّا فتح الأبواب، فلم يجابوا، فصاحوا: الجوع الجوع، وكاتب المعتزُّ محمد بن طاهر يرغِّبه ويرهِّبه، وبعثَ إليه أبو أحمد بهدايا كثيرة، وعلمت العامة فجاؤوا إلى باب ابن طاهر فقاتلوه، وقُتل بينهم قتلى، وأرادوا نهبَ داره، وكان المستعين نازلًا بها، فأرسل إليه ابنُ طاهر يسألُه أن يُكلِّم العوامّ، فاطَّلع إليهم وقال: كفُّوا، ثم أصبحوا إلى دار ابن طاهر فقاتلوه وقالوا: قد واطأت الأتراكَ والمعتزَّ على خليفتنا وراسلتَهم وراسلوك، وتريدُ أن تحكِّمَ الأتراكَ فِي حريمنا وأموالنا، ونحن لا نأمنُك على خليفتنا، انقله من دارك، فقال له المستعين: لا آمنُ عليك الغوغاء، انقلني من دارك، قال: بسم الله، فركب المستعين من داره وخرج ومحمدٌ بين يديه بالحربة؛ لأنَّه كان صاحب الشرطة، والقوَّادُ يمشون خلفه، إلى دار رزق الخادم بالرُّصَافة -وقيل: إلى دار عمَّته أم حبيب بنت هارون الرشيد- ولمَّا مر بدار علي بن المعتصم خرج وسألَه النزول عليه، فأبى.

وعزم ابنُ طاهر على النقلة من داره إلى المدائن خوفًا من العامَّة، فاجتمع إليه الغوغاء (٢)، وقالوا: هؤلاء الغوغاء سفهاء، وقد جاعوا، وطال عليهم الحصار، فاصفح عنهم ولا تؤاخذهم، فأجابَهم، وخرج ابن طاهر إلى العامة، حَلفَ لهم أنَّه ما أضمرَ للمستعين غلًّا ولا شرًّا، ولا قصدَ إلَّا الإصلاح، وبَكى فأبكى الناس، فرضوا عنه.


(١) تاريخ الطبري ٩/ ٣١٧.
(٢) كذا فِي (خ) و (ف).