للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولليلةٍ بقيت من صفر جاء الأتراكُ والمغاربة إلى أبواب بغداد من الجانب الشرقيّ، فأغلقتْ فِي وجوههم، ورُموا بالسهامِ والمجانيق وقتل من الفريقين جماعةٌ ورَجعوا.

وفي ربيع الأوَّل جاء عسكرٌ من سامرَّاء، فخرجَ إليهم محمدُ بن طاهر فِي قوَّاده واقتتلوا، وما زالوا كذلك إلى نصف رجب، وضاق ببني هاشم الحال (١)، وانقطعت أرزاقُهم، فجاؤوا إلى دار ابن طاهر، فشتموه، وصاحوا بالمستعين: إن لم تدفع إلينا أرزاقَنا، وإلَّا فتحنَا الأبوابَ لأصحاب المعتزّ، فأرسلَ إليهم من لطف بهم، ووعدهم الخيرَ، فسكتوا.

وفي يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من شعبان نقبَ الأتراكُ سور باب الأنبار، وأحرقوا الباب، وما كان عليه من المجانيق والعُدد، فركب ابنُ طاهر وبُغَا ووصيف، والتقوا، فهزموا الأتراكَ، وسدُّوا باب الأنبار بالجصِّ والآجر (٢).

وفيها كتب المعتز إلى أبي أحمد يلومه على تأخُّره عن القتال، ويأمره بالجدِّ، فكتب إليه أبو أحمد: [من المتقارب]

ليوم المنايا علينا طريقُ … وللدَّهر فيه اتِّساعٌ وضيقُ

وأيَّامنا عِبَرٌ للأنام … فمنها البكورُ ومنها الطُّروقُ

ومنها هَنَاتٌ تشيبُ الوليدَ … ويَخذلُ فيها الصدوقَ [الصديقُ] (٣)

وبلدةُ حصنٍ لها (٤) ذِرْوةٌ … تفوتُ العيونَ وبحرٌ عميقُ

قتالٌ مبيدٌ وسيفٌ عتيدٌ … وخوفٌ شديدٌ وحِصْنٌ وثيقُ

وطولُ صياحٍ لداعي الصباح الـ … ـسلاحَ السلاحَ فما يستفيقُ

فهذا قتيلٌ وهذا جريحٌ … وهذا حريقٌ وهذا غريقُ

وهذا [قتيلٌ] (٥) وهذا تليل … وآخر يشدخُه المنجنيقُ


(١) فِي (خ) و (ف): الجبال. وانظر تاريخ الطبري ٩/ ٣٢٧.
(٢) انظر تاريخ الطبري ٩/ ٣٣٠ - ٣٣١.
(٣) فِي تاريخ الطبري ٩/ ٣١٦: الصديق الصديق. وما بين حاصرتين منه.
(٤) فِي تاريخ الطبري: وسور عريض له.
(٥) مكانها فِي (خ) و (ف) بياض. والمثبت بين حاصرتين من تاريخ الطبري.