للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالأموال، فيتصدَّق بها، فإذا نَفِدَ ما عنده خلع ثيابه وعِمامته، وبَعَثَ بها إلى عمر ليتصدَّق بثمنها، [فيبكي عمر.

وكان قد] (١) وقع بالمَوْصل قحطٌ، فكان يقول: هذه أيَّام المواساة. ولهذا الخَرْجِ العظيم كان يُنْسب إلى عمل الكيمياء، وحُوشي من ذلك.

[ذكر وفاته] (١):

ولما سارت الرُّكبان بجوده، وعَمَّ معروفُه أهلَ الدُّنيا حَسَدَه أقوامٌ، فكذَّبوا عليه عند قُطْب الدين، وقالوا: إنَّه يأخذُ أموالك فيتصدَّق بها. وما كان قُطْبُ الدِّين يقدر على قبضه لما كان بينه وبين زين الدِّين من المصافاة، فوضع مَنْ أغرى بينهما، فتغيَّر عليه زين الدِّين، فقبض عليه قُطْب الدين، واعتقله في قلعة المَوْصل، فقال ابنُ المعلِّم [الشَّاعر هذه الأبيات] (١): [من البسيط]

إنْ يَعْزِلُوكَ لمعروفٍ شَمَخْتَ به … على ذوي الأرضِ ذات العَرْضِ والطُّولِ

فأنتَ يا واحدَ الدُّنيا وسيِّدَها … بذلك الجُودِ فيها غيرَ مَعْزُولِ

ثم ندم زين الدِّين على موافقة قُطْب الدِّين على قَبْضه، لأنَّ خواص قُطْب الدين كانت أيديهم مقبوضة عن التصرُّف، فلما قُبِضَ جمالُ الدِّين انبسطوا في الأمر والنَّهْي على خلاف غَرَضِ زين الدين، وأقام في الحَبْسِ سنة، ثُمَّ توفي.

وقال (٢) أبو القاسم الصُّوفي، وكان صاحبه: قال لي جمال الدِّين: كنتُ أخشى أن أنقل من الدَّسْت إلى القبر، فلو جاء الموتُ الآن ما كَرِهْتُه. ثم مَرِضَ، فقال [لي] (١): يا أبا القاسم إذا جاء طائر أبيض إلى الدّار فَعَرِّفْني. فقلتُ في نفسي: قد اختلط الرَّجل. فلما كان من الغد إذْ سَقَطَ طائرٌ أبيض لم أَرَ مثله، فَعَرَّفْتُه، فاسْتَبْشَرَ، وقال: جاء الحقُّ. ثم قال: بيني وبين أسد الدين شيركوه عهد، مَنْ مات منا قَبْلَ صاحبه حَمَلَه إلى المدينة -وكان أسد الدين وجمال الدِّين قد بنيا رباطين بالمدينة وعملا فيهما تُربتين- فاذهَبْ


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) في (م) و (ش): وحكى.