ابن قُرَيعة: يَا هذا بَيِّن دَعواك، وأفْصِحْ عن نَجواك، فمن البَيض بيضٌ نَعامي، وهندي، وبطي، ونَبَطي، وحَمامي، وعَصافيري، حتَّى إن الدُّودَ يَبيض، والسَّمك يبيض، فمن أيِّ أجناسه تدَّعي؟ فقال الرجل: ما أدري ما تقول، لي ثلاثون بيضةً من بيض الدَّجاج النَّبَطيّ والسلام.
وكان له بستان وفيه أكَّارٌ يقال له: صاعِد، فبلغه أنَّه قد سَرق طَوْقَ دولاب البستان وزُجَّه، فكتب إليه: يَا صاعد، حَدَر الله بروحك إلى جهنم ولا أصعدها، ومن الخيرات أبعدَها، بلغني أن عاتيًا عَتا على الدُّولاب في غَفْلَةِ الرُّقَباء والأصحاب، فسَلَبه طَوْقَه وزُجَّه من غير دلالة ولا حُجَّة، فهَمَمْتُ بالدّعاء عليه، ثم عَطَفْتُ بالحُنُوِّ عليه، وقلت: اللهم إن كان أخَذه من حاجة فأَغْنِه عن المعاودة إلى مثله، وإن كان أخذه من غير حاجة فابْتُر عُمُرَه، واكْفِ المسلمين شَرَّه، فكتب إليه صاعد: قد عَمّرتُ الدولاب من عندي، والسلام.
وزحمه رجلٌ راكِبٌ على حمار فقال:[من مخلع البسيط]
يَا خالقَ اللَّيلِ والنَّهارِ … صَبْرًا على الذُّلّ والصَّغارِ
كم من جَوادٍ بلا حمارٍ … ومن حمارٍ على حمارِ
وركب ابن قُرَيعة مع القاضي ابن مَعْروف بواسط، فدخلا دَرْبَ الصَّاغة، فتأخَّر ابنُ قريعة وتقدَّم ابن معروف، فقال ابن قريعة: إن تقدَّمت فحاجب، وإن تأخرت فواجب.
تُوفِّي ابن قريعة ببغداد يوم السبت لعشرٍ بقين من جمادى الآخرة عن خمس وستين سنة.
قال الخَطيب: ولاه أبو السَّائب عُتبة بن عُبيد الله قضاءَ السِّنْدِيّة وأعمال الفُرات، وكان كثيرَ النَّوادر، حسنَ الخاطر، يُسْرع بالجواب المطبوع من غير تصنُّع، وله أخبار طريفة، وكان فاضلًا، ولا أعلمه أسْنَدَ الحديث (١).
(١) تاريخ بغداد ٣/ ٥٥٠، والمنتظم ١٤/ ٢٥٨، ووفيات الأعيان ٤/ ٣٨٢، وتاريخ الإِسلام ٨/ ٢٧٧، والسير ١٦/ ٣٢٦.