للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال وهب: الذي أخذ بثأر يحيى ملك بابل، يقال له: خردوش بعد بُخْتَ نَصَّر بأربع مئة ونيف وستين سنة، وسنذكره فيما بعد، ولم يقم لبني إسرائيل بعد خردوش راية.

وذكر الحافظ في "تاريخ دمشق" عن ابن المبارك قال: رئي لقمان الحكيم يعدو خلف بُخْتَ نَصَّر فراسخ، فقيل له: يا وليَّ الله، تعدو خلف هذا الكافر؟ قال: لعلِّي أسأله في مؤمن فيجيبني.

قلت: وأين لقمان الحكيم من بُخْتَ نَصَّر بينهما قبل خراب بيت المقدس أربعة آلاف سنة وتسع مئة وثماني عشرة سنة.

قال علماء السِّير: ولما عاد بنو إسرائيل إلى الشام كثروا وأثروا، فبطروا وعَتَوْا، وعادوا إلى شرِّ ما كانوا عليه، وكثرت فيهم الأحداث فسلَّط الله عليهم مَلِك الروم واسمه ططوس بن اسبانوس فأخرب بلادهم وسباهم وعفى آثارهم، حتى إن المرأة كانت لتبعث بخِرَق حيضها فتلقيها على الصخرة (١).

وملك بُخْتَ نَصَّر خمسًا وأربعين سنة، منها تسع عشرة قبل خراب البيت المقدَّس، وستًا وعشرين بعده.

وحكى الهيثم بن عَدي: أنَّ بُخْتَ نَصَّر لما عاد إلى بَابِل بالسبايا بنى حبسًا أعلى النَّجف، وجمع فيه بني إسرائيل، ووكل بهم من يحفظهم، وكانت العرب قد قصدته لتحاربه ورئيسهم معدُّ بن عدنان، فصالح العرب، ونقل بني إسرائيل إلى جانب الفرات موضع الأَنْبار اليوم فأنزلهم هناك، فبنوا المدينة، فقال الناس: أَنبار بني إسرائيل.

قال الجوهري: وأنبار اسم بلد، واصله من نَبَرْتُ الشيء أي رفعته، ومنه المِنْبَر (٢).

وقال ابن إسحاق: كانت الحِيرة منزل بُخْتَ نَصَّر، فلمَّا مات انتقل إلى الأَنْبَار.

ومات عدنان في آخر أيام بُخْتَ نَصَّر، فجاء ولده معدُّ من أرض بَابِل إلى مَكَّة، فطرد من كان بها من جُرْهُم، وتزوَّج معانة بنت جوسم فولدت له نزارًا، وولد لنزار مُضَر وإياد وربيعة وأَنمار. وتفرقت اليهود فنزل بعضهم الحجاز وَيثْرِب ووادي القرى وغيرها، والله أعلم بالصواب.


(١) انظر تفسير الثعلي ٦/ ٨٣.
(٢) "الصحاح" (نبر).