للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر واقعة جرت لمسلمة في بلاد الروم:

حكى القاضي التنوخي عن رجل من أهل الكوفة قال (١): كنَّا في غَزاة مع مَسْلَمةَ بن عبد الملك في بلاد الروم، فسبى سَبْيًا كثيرًا، فأحضروا شيخًا كبيرًا، فأمر بقتله، فقال له: ما حاجتُك إلى قتلي (٢) وأنا شيخٌ كبير، إن تركتَني أتيتُك بأسيرَينِ شابَّين مسلمين. قال: ومن لي بذاك؟ قال: إنِّي إذا وعدتُ وفَيتُ. قال: لستُ أثقُ بك. قال: فدعني [حتى] أطوف [في] عسكرك لعلّي أجدُ من يكفلني إلى أن أعود. قال: اذهبْ. ووكَّل به من يطوفُ معه.

فجعل يتصفَّح الوجوه حتَّى مرَّ بفتًى من بني كلاب قائمًا يَحُسُّ فرسَه، فقصَّ عليه القصة، فجاء معه إلى مسلمة وكَفِلَه، وأطلقَ الشَّيخ.

فلما مضى قال له مسلمة: أتعرفُه؟ قال: لا واللهِ. قال: فكيف ضمنتَه؟ قال: رأيتُه يتصفَّح الوجوه، فاختارَني من بينهم، فكرهتُ أن أُخلفَ ظنَّه.

فلما كان من الغد؛ حضر الشيخُ ومعه شابَّانِ أسيرانِ، فدفَعَهما إلى مسلمة وقال: إن رأى الأميرُ أن يأذنَ لهذا الشابّ بالمصير معي إلى حصني لأكافئه. فقال مسلمة للشابّ: إن شئتَ فامضِ معه.

فمضى معه، فلما صار في حصنه قال له [الشيخ]: يَا فتى، علمتُ أنك ابني. قال: كيف أكونُ ابنَك، وأنا رجلٌ مسلم من العرب، وأنت شيخ نصرانيّ من الروم؟! قال: فأخبِرْني؛ هل أمُّك روميَّةٌ سُبِيَتْ؟ قال: نعم. قال: فإنْ وصفتُها تصدِّقُني؟ قال: نعم. فشرع الروميُّ يصفُها، فقال: هي واللهِ كذلك، فكيف عرفتَ أنّي ابنُها؟! قال: بالشَّبَهِ، وتعارفِ الأرواح، وصِدْقِ الفِراسة.


(١) في "الفرج بعد الشدة" ٢/ ٢٩ - ٣١. وهو أَيضًا في "التذكرة الحمدونية" ٩/ ٢٧٥ - ٢٧٧، و"المنتظم" ٩/ ٢٧١ - ٢٧٢.
(٢) في (ص): إلى قتل مثلي.