للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: إنَّما هي جلدة رقيقة في باطن القلب، وقيل: برَّح بها، وقال مقاتل: إنَّما فلان ذلك مكرًا منهن ليرين يوسف لأنها كانت قد حجبته عنهن ﴿فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ﴾ تعني حديثهن ﴿أَرْسَلَتْ إِلَيهِنَّ﴾ وكنَّ أربعين امرأةً منهن امرأة الساقي والخباز والحاجب وصاحب السجن ﴿وَأَعْتَدَتْ﴾ أي: أعدَّتْ ﴿لَهُنَّ مُتَّكَأً﴾ [يوسف: ٣١] وهو مجلس الطَّعام وما يتكئن عليه من النمارق والوسائد. قال ابن قتيبة: أصل هذا أنَّ من دعوتَهُ ليطْعَم عندك أعددتَ له وسادةً يتكئ عليها، فسمي الطَّعام متكأً على الاستعارة، قال عدي بن زيد:

فظَلِلنَا بنَعمةٍ واتَّكأنا … وشَرِبنا الحلال من قُلَلِه (١)

واختلفوا فيه: قال ابن عباس: هو الأُترُجُّ (٢). وقال الضَّحَّاك: البزماورد (٣). وقيل: الموز والبِطِّيخ، والأصح أنَّه الأترُجُّ وكل ما يقطع بالسكين، دليله قوله تعالى: ﴿وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا﴾ ﴿وَقَالتِ﴾ ليوسف: ﴿اخْرُجْ عَلَيهِنَّ﴾ وزيَّنته بأنواع الجواهر، وكان نور وجهه يشرق على الحيطان كنور الشَّمس والقمر ﴿فَلَمَّا رَأَينَهُ أَكْبَرْنَهُ﴾ أي: عظمنه وأجللنه وهبنه، وقرأ ابن عباس: "أكبرن" بغير هاء، ومعناه: حِضْنَ عند رؤيته ﴿وَقَطَّعْنَ أَيدِيَهُنَّ﴾ [يوسف: ٣١] أي: حززنها بالسكاكين وجرى الدّم، ولم يشعرن بذلك لشغل قلوبهن بيوسف، وهنَّ يحسبن أنهنَّ يقطعن الأُترُجَّ.

وحكى الثعلبي عن وهب بن منبه أنَّه قال: بلغني أن تسعًا من الأربعين متن في المجلس وَجْدًا بيوسف (٤).

فإن قيل: فلمَ لم تقطع زليخا يدها؟ فالجواب من وجهين:

أحدهما: أن رؤية يوسف وقعت لهنَّ مفاجأة، والمرأة كانت قد اعتادت النظر إليه، وكلُّ أمرٍ يقعُ بغتةً يؤثر، ألا ترى أن موسى خاف من العصا لما انقلبت حية لأنَّه ما ألِفها كذلك، ولم يخف من النَّار لأنَّه ألفها من يوم التنور.


(١) البيت لجميل بن معمر، انظر "الأغاني" ٨/ ٩٤.
(٢) انظر "زاد المسير" ٤/ ٢١٦.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١٢/ ٢٠٢.
(٤) "عرائس المجالس" ١٢٤.