للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال زيد بن ثابت: الشام كله مقدس ويدخل فيه دمشق.

وقال ابن عمر: حرم مكة والبيت المقدس. والأول أصح.

وقال مقاتل: وإنما قال ذلك موسى لما نزل على أريحا، ومعنى ﴿كَتَبَ﴾ أي: في اللوح المحفوظ. وكانت أريحا قرية الجباربن وهم العمالقة، وقيل: الكنعانيون، وأمر موسى بقتالهم وجهادهم، وكان موسى قد نقَّب على بني إسرائيل اثني عشر نقيبًا بعدد الأسباط، ومن هنا نقَّب النبي النقباء ليلةَ العقبة، ومن هؤلاء النقباء يوشع بن نون وكالب بن يوفنَّا، والنقيب: الكفيل عن قومه بالوفاء على ما أمروا به.

وقال ابن إسحاق: ولما دنا موسى من أريحا بعث النقباء يتحسسون الأخبار، فلقيهم عوج بن عناق، وقال الثعلبي: قال ابن عمر: كان طوله ثلاثة وعشرين ألف ذراع وثلاث مئة وثلاثين ذراعًا، وكان يعتجر بالسحاب ويشرب الماء منه، ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه في عين الشمس ويأكله، وهو ابن بنت آدم (١) - وقد ذكرناه في الطوفان - وأن الماء كان لا يبلغ كعْبَهُ. فالتقى بالاثني عشر نقيبًا وعلى رأسه حزمة حطب فأخذهم وجعلهم في حجزته، وانطلق بهم إلى زوجته فقال: انظري إلى هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون قتالنا، وطرحهم بين يديها، وقال: ألا أطحنهم برجلي؟ فقالت: لا بل خلِّ عنهم ليخبروا قومهم بما رأوا، فأرسلهم؛ فلما خرجوا قال بعضهم لبعض: إن أخبرتم القوم رجعوا عن نبيِّ الله وساروا، فأما كالب ويوشع فإنهما كتما، وأما الباقون فتحدثوا. ولما شاع الحديث جاؤوا إلى موسى وقالوا: يا ليتنا متنا بأرض مصر وبكوا وقالوا: ﴿إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ﴾ [المائدة: ٢٢] وهم الأقوياء، كان يدخل في كُمِّ أحدهم اثنان من بني إسرائيل، ويدخل في قشر الرمانة إذا نزع الحب منها خمسة رجال، ويحمل العنقود خمسة رجال من بني إسرائيل فقالوا: ﴿لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ [المائدة: ٢٤] فدعا عليهم موسى وقال: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٥] أي: العاصين. وكانت عجلةً من موسى فاستجاب له ربه وقال: ﴿فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٦]


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٤٣.