للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والظاهر أن تُبَّعًا الأول هو ابنُ الأَقْرن بن شَمِر يرعش، وهو أول من اشتهر بلقب تبع، وهو القائل (١): [من الكامل]

مَنع البقاءَ تقلُّبُ الشمسِ … وطُلوعُها من حيث لا تُمسي

وطلوعُها بيضاءَ صافيةً … وغروبُها صفراءَ كالوَرْسِ

تجري على كَبِد السَّماءِ كما … يجري حِمامُ الموت بالنَّفسِ

اليومَ نعلم ما يجيءُ به … ومَضى بفَصْل قضائِه أمسِ

وكان تُبَّع عظيمًا، بلغه أن التركَ قاصِدتُه، فسار إليهم على جبلي طيئ، ثم سلك على الأنبار، وهذا الطريقُ الذي سلكه الرائش، فلَقيهم في حدِّ أَذْرَبيجان فقَتل وسبى، وأَوغل في الهند والصِّين، ووصل إلى التُّبَّت، وخلَّف جيشًا عظيمًا هناك رابطه، فأَعقابُهم هناك إلى اليوم. ولما عاد إلى العراق خَلّف بالحيرة قومًا من الأزد وقُضاعة ولَخْم وجُذَام وعامِلَة فبنَوها، وهابته الملوك وهادوه، ثم عاد إلى اليمن.

وسأل ابنُ عباس ابنَ مسعود (٢) قال: سمعت الله تعالى يَذكر تُبّعًا فلم يذمّه، وذمَّ قومَه؟ فقال: نعم. إن تُبَّعًا غزا بيتَ المقدس، فسبى أولادَ الأَحبار، وقَدِم بفتيةٍ منهم على قومه، فجعل يُدْنيهم، وَيسمعُ منهم، ويُخبرونه عن الله تعالى، فتحدَّثَ قومُه، وقالوا: إنا نخافُ أن يَفتنوه عن دِينه، وكان يعبد الأوثان، وبلغ تُبعًا ما قالوا، فأخبر الفِتية فقالوا: بيننا وبينهم النَّصَف. قال: وما هو؟ قالوا: نارٌ تحرق الكاذبَ وينجو منها الصادقُ.

فجمع قومَه وقال: اسمعوا ما يقول هؤلاء، وقال لهم: تكلّموا، فقالوا: لنا خالقٌ نعودُ إليه، وبين أيدينا جنَّةٌ ونار، فإن أبيتم علينا، فبيننا وبينكم النَّصفُ. فقالوا: قد رضينا. فأضرموا نارًا، وقام الفتيةُ فذكرُوا اسم الله، واقتحموها، وخرجوا منها سالمين، ودخل من أولئك جماعة فاحترقوا، فأسلم تبع، وكان رجلًا صالحًا فذكره الله تعالى ولم يذمَّه وذمَّ قومَه.


(١) المعارف ص ٦٣٠، والبدء والتاريخ ٣/ ١٧٧، والروض الأنف ١/ ٢٦، وتاريخ دمشق ٣/ ٥١٠.
(٢) في تاريخ دمشق ٣/ ٥٠٢ سؤال ابن عباس لعبد الله بن سلام، وانظر تفسير ابن كثير للآية (٣٦) من سورة الدخان.