قَيْلة، لم يُؤدُّوا خراجًا ولا إتاوةً قطُّ إلى أحد من الملوك في الجاهلية، فكتب إليهم تُبّع أبو كرب يدعوهم إلى طاعته، ويُحذرُهم مخالفتَه. فكتبوا إليه: [من الكامل]
العبدُ تُبَّع كم يَرومُ قِتالَنا … ومكانُه بالمَنْزِلِ المُتَذلِّل
إنا أُناسٌ لا ينامُ بأرضنا … عَضّ الرسول ببَظْر أمِّ المرسلِ (١)
فسار إليهم، فقاتَلهم، فلم ينل منهم طائلًا.
قال ابن الكلبي: وله شعر يذكر فيه خروجَ النبيِّ ﷺ، وأوَّلُه: [من الكامل]
ما بالُ نومك مثل نومِ الأَرْمَدِ … أَرِقًا لجَنْبِك بالعَراء مسهَّدِ
ولقد هبطنا يثربًا وصدورُنا … تغلي مَراجِلُها بقَتْلٍ مُحصِدِ
حَنَقًا على ولدي وصاحبِ أُسرتي … أضحى قتيلًا عند باب المِرْبدِ
ولقد حلفتُ يمينَ صدقٍ مُؤليًا … قَسمًا لَعَمري ليس بالمُتَرَدِّد
إن جئتُ يثربَ لا أغادرُ وَسْطَها … عِذْقًا ولا نخلًا يكون لمُعتَدي
حتى أتاني من قُريظةَ عالِمٌ … حَبْرٌ لَعَمرُك في اليهود مُسَدَّد
قال انْزَجِر عن قريةٍ محفوظةٍ … لرسولِ ربِّ العالَمين مُؤيَّدِ
فعفوتُ عنهم غيرَ مُكتَرِثٍ بهم … وتركْتُهم لعقاب يومٍ سَرْمَدِ
فرحل ومعه الحَبْران، فقصد مكة، فلما نزل عُسْفان، جاءه نفرٌ من هُذَيل، فقالوا له: ألا ندلُّك على بيت مالٍ أَغفلَه الملوكُ، فيه من الجواهر واليواقيت والذهب والفضة ما ليس في غيره؟ قال: وأين هو؟ قالوا: بمكة، يعبدُه أهلُها، ويُصلُّون إليه. وإنما قَصدوا أن يتعرَّضَ له فيهلك.
فأخبر الحَبْرين فقالا: إنما قصد الهُذَليُّون هلاكَك وهلاكَ جُندك. قال: فما تأمراني؟ قالا: تذهبُ إليه، وتعظِّمُه، وتحلقُ رأسَك عنده، وتذبحُ له؛ فإنه بَنِيَّةُ أبينا إبراهيم. قال: فما يمنعكما منه؟ قالا: أهلُه حالوا بيننا وبينه بالأصنام التي حوله.
فعلم صحَّة قولهما، فعَمد إلى الهُذليِّين، فقطَّع أيديهم وأرجلَهم، فقالا: سِرْ إليه، وافعل كما يفعل أهلُه.
(١) العقد الفريد ٢/ ١٩٣.