السُّلْطان: في هذه الحالة اصبروا إلى زمن الشتاء. فأما عمادُ الدِّين صاحب سنجار فأقام، وأما سنجر صاحب الجزيرة، فأصرَّ على الرَّحيل، ودخل على السُّلْطان، فقبَّل يده، وسار من ساعته، فكَتَبَ السلْطان وراءه كتابًا يقول في أوله:[من مجزوء الكامل]
إنك انتميتَ إلينا، فحميناك من أهلك، فَبَسَطْتَ يدَك في الأموال والدِّماء والأعراض، ونهيناك، فلم تنته، وأتيتنا بعسكرٍ قد علمه الناس، وقلقت هذا القلق ونحن نقاتل العدو، فأبصرْ من تنتمي إليه غيري، فما بقي لي إلى جانبك التفات. فقرأ الكتاب ولم يلتفت، وسار، فلقيه تقيُّ الدِّين عند عقبة فيق، فقال له: إلى أين؟ فأخبره الخبر، فقال: ارجع. فقال: ما أرجع. وكان تقيُّ الدِّين مِقْدامًا، فقال له: ارجع يا صبي وإلا رجعتَ مقهورًا. فرجع، وسأل تقيُّ الدين السلْطان، فعفا عنه.
وفيها كتب السُّلْطان إلى يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن أمير المغرب كتابًا يستنجد به على يد شمس الدين بن مُنْقذ، وعنوانه:
إلى أمير المُسْلمين محلّ التُّقى الظاهر، ومقر حزب الله الظَّاهر. وفي أوله: الفقير إلى الله يوسف بن أيوب.
الحمد لله الذي استعمل على الملَّة الحنيفيَّة من استعمر الأرض، وأغنى من أهلها من سأله القَرْض، وأجزى من أجرى على يديه النّافلة والفَرْض، وزيَّن سماء المِلَّة بدراري الذَّراري التي بعضُها من بعض.
وذكر كتابًا طويلًا من إنشاء الفاضل، يستنجده ويسأله أن يقطع عنه مادَّة البحر، وعاد ابنُ منقذ في سنة ثمانٍ وثمانين وخمس مئة بغير فائدة، لأنه لم يخاطبه فيه بإمرة المؤمنين، وبَعَثَ له هدية حقيرة.
وأما ابنُ منقذ، فإنَّه أحسن إليه لا لأجل صلاح الدين، بل لبيته وفَضْله، ومدحه ابنُ منقذ بأبياتٍ نذكرها في ترجمة يعقوب في سنة خمسٍ وتسعين وخمس مئة.