يكتبَ إلى مؤنس حتى يكون هو الذي يكتب، فأوهمه أنَّه يتوقف، وبادر وكتب إلى مؤنس من يومه، وأنفذ الرُّسلَ، وأمره بالمُبادرة إلى الحضرة، وكتب ابنُ الفرات بمثل ذلك عن المقتدر.
ووثبت العامةُ على ابن الفرات، ورجمَت طيَّارَه بالآجُر، ورجمَت ابنَه المحسِّن أيضًا، وما زالت العامةُ تَضِجُّ في الطرقات بأنَّ ابنَ الفرات القرمطي الكبير، وأنَّه ليس يُقنعُه إلا إتلاف أُمَّة محمد ﷺ، وامتَنَع الناسُ من الصَّلوات في الجوامع والمساجد.
وأشار ابنُ الفرات بإخراج ياقوت الكبير إلى الكوفة ليضبطَها من القرمطي، فتقدَّم المقتدرُ إليه بالخروج في الغلمان الحُجَريَّة (١) ووجوه القُوَّاد، وأزاح عِلَلَهم، وأنفق فيهم خمسَ مئة ألف دينار.
وسار القرمطي إلى هَجَر ولم يَقْرُب الكوفةَ، فرجع ياقوتُ مِن بعض الطريق، وأصلح المقتدر بين نصر وابنِ الفرات.
وقَدِم مؤنس بغدادَ غرَّةَ ربيع الأول، ودخل على المقتدر من وقته، وعاد إلى داره، فركب إليه ابنُ الفرات بسبب السلام عليه، ولم يَجْرِ بذلك عادةٌ، ولا لأحد من وزراء المقتدر قبلَه، فخرج مُؤنس إلى باب داره، وتلقَّاه، وسأله الانصرافَ، فلم يفعل، وصعد من طيَّاره، ودخل دار مؤنس، وهنَّأه بالسلامة، ثم خرج وخرج معه مؤنس إلى أنْ نزلَ في طيَّاره، وقبَّل يدَه.
ولمَّا اضطرب أمرُ ابنِ الفرات خاف المحسن ابنُه أنْ يظهر عليه ما أخذه من الذين نكبهم لنفسه، فسلَّمهم إلى محمد بن علي الشَّلْمَغاني، ويعرف بابن أبي العَزاقِر نائبِهِ على العقوبات، وفيهم عبد الوهاب بن ما شاء الله، ومؤنس خادمُ حامد، فذبحَهم كما يُذبَح الغَنَم، وذهب بإبراهيم بن عيسى أخي عليِّ بن عيسى إلى البصرة بعد أن استأصله، وسلَّمه إلى عاملها، فسمَّه فمات، وكَثُر حُرَم المقتولين على باب ابن الفرات وابنه المُحسّن.
(١) نسبة إلى حُجْرة، وهي الثكنة أو دار العسكر في بغداد ومصر، كان قرب قصر الوزير مكان واسع يطلق عليه اسم الحُجَر يسكنه الغلمان الذين يخدمون الخلفاء، لكل واحد منهم فرس وسلاح، ينفذون ما يصدر إليهم من أوامر دون تردد. انظر تكملة المعاجم ٣/ ٨٢.