بعيد المَرْمَى (١)، تجعل الظّلمات نورًا والنور ظلمات، فسكت.
ثم عاد ابن الكَوَّاء إلى العراق، وخرج مع الخوارج، ثم رجع عنهم، ولم أقف على تاريخ وفاته.
واختلفوا في أيّ سنة كانت هذه الوَقْعة، فعامَّة المؤرِّخين على أنها في هذه السنة، وحكينا عن الواقدي أنها كانت في سنة ثمان وثلاثين، وقال أبو عبيدة: في سنة تسع وثلاثين، والأول أشهر.
وقد أخرج أحمد في "المسند" في مسند علي ﵇؛ حديثًا مطولًا في قصة الخوارج - اختصرتُه - فقال: حدثنا إسحاق بن عيسى الطبَّاع بإسناده، عن عُبيد الله بن عِياض بن عَمرو القاري قال:
جاء عبد الله بن شَدّاد فدخل على عائشة، ونحن عندها جلوس، مَرجِعَه من العراق ليالي قُتل علي ﵇، فقالت له عائشة: يا ابن شَدّاد، هل أنت صادِقي عما أسألُكَ عنه؟ قال: نعم، قالت: حدِّثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي، فقال: لما حَكَّم علي الحكَمَين خرج عليه ثمانية آلاف من القُرَّاء، فنزلوا حَرُوْراء، وعَتِبوا عليه وقالوا: انسَلَخْتَ من قميصٍ ألبسك الله إياه، واسمٍ سَمَّاك الله به، ثم حكَّمتَ في دين الله، ولا حُكم إلا لله. وفارقوه.
فأمر بإدخال القُرّاء عليه، وقال: لا يَدخُل عليَّ إلا قارئ، فاجتمع عنده أناس، فدعا بمصحف عظيم، فوضعه بين يديه، وجعل يَصُكُّه ويقول: أيُّها المصحف، حَدِّث الناس. وناداه الناس: يا أمير المؤمنين، ماذا تسأل؟! إنما هو مِداد في وَرَق، فماذا تريد؟ فقال: أصحابُكم هؤلاء الذين خرجوا، بيني وبينهم كتاب الله، يقول الله في امرأة ورجل ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَينِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا﴾ [النساء: ٣٥] الآية [النساء: ٣٥] فأمَّةُ محمد ﷺ أعظمُ دمًا وحُزمَةً من امرأة ورجل.
ونقَمُوا عليّ أني مَحَوتُ اسمي، وقد فعله رسول الله ﷺ في غزاة الحُدَيبِيَة، وكتب: محمد بن عبد الله، ولي في رسول الله أُسوةٌ حَسَنة.
(١) في تاريخ دمشق ٣٩٠ (عبادة - عبد الله): بعيد الثرى.