للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووقع النِّداءُ ببغداد في الجانبين بالصُّلْح، وطابت قلوبُ الناس وسكنوا.

ورحل عز الدولة يوم الجمعة لليلةٍ خلت من شهر ربيع الآخر إلى قُطْرَبُّل، وتفرَّق دَيلَمُه عنه؛ فطائفةٌ ثبتت معه وسارت بمَسِيره، وطائفة انحازت مع الحسن بن فيلسار، فسار بها إلى جِسر النَّهْرَوان، وطائفة دخلت في طاعة عضد الدولة.

ودخل أوائلُ أصحابِ عضد الدولة بغداد لليلتين خلتا من ربيع الآخر، ونزل عضد الدولة بالخِيَم بالشَّفيعي (١)، وخرج الطَّائع إلى لقائه، وضُربت له القِباب في الجانب الشرقي وزُيِّنَت، وسار إلى باب الشَّمَّاسِيَّة في أحسنِ هَيئة، وأجمل تعبئة، وبين يديه خمسة أَفْيِلَة مُزَيَّنة بالمقاتلة، وكان يومًا عظيمًا، وأقام بباب الشماسية إلى حادي عشر ربيع الآخر، ثم نزل دارَ السَّلْطَنة التي كان ينزلها سُبكتكين بالمُخَرّم.

وسار الحسن بن فيلسار من النَّهْرَوان متأمِّرًا على مَن معه من الدَّيلَم يقصد بعضَ الجِهات التي يَتمكَّن فيها من الفساد، فأنفذ إليه عضد الدولة أبا القاسم سعد بن محمد الحاجب في عِدَّةٍ من الدَّيلَم، فأوقع به، وأخذه أسيرًا وبه ضَرَبات قد أثْخَنَتْه، فلَبِث قليلًا ثم مات، وقُتل أكثر مَن كان معه.

ذكر ما جرى عليه أمر عز الدولة:

لما سار عن بغداد وكان معه حَمدان بن ناصر الدولة سار لمسيره واتِّقائِه، واجتمع إلى عز الدولة ألفا رجلٍ، وحَصل له من الخيل والسلاح ما استقلَّ به واستَظْهَر، ونهب خيولَ المزارعين والبُناة بنواحي دُجَيل ومَسْكِن، وكانت عِتاقًا، ونهب الغِلال، واتَّفق مع حمدان على قَصْدِ أبي تغلب ومُحاربَتِه، وأخذِ البلاد منه، ومتى رجع عن هذا الرأي كان حمدان آمنًا من أن يُسْلِمَه إلى أخيه، واستَوْثَق منه بالأيمان والعهود المُغَلَّظة.

فلما وصل إلى تكريت قدم عليه أبو الحسن علي بن عمر كاتبُ أبي تغلب بهدايا يسيرة، وسار معه إلى الحَديثة، وأغواه، ودعاه إلى القَبْض على حَمدان، وتسليمه إلى أخيه أبي تغلب؛ على أن يجتمع معه أبو تَغْلِب، ويُنفق أمواله، ويَبْذُلَ رجاله وسلاحَه،


(١) انظر المنتظم ١٤/ ٢٥٢.