فقامت عليها، ونظرت فلم تَرَ أحدًا - فعلت ذلك سبع مرَّات.
قال ابن عباس: قال رسول الله ﷺ: "فلِذلِكَ سَعَى النَّاسُ بينَهما" فلمَّا أَشْرَفَت على المَرْوَةِ سمِعَت صَوْتًا فَقالت: صَهٍ -تُريدُ نَفْسَها- ثم تَسَمَّعت فسمعت أيضًا فقالت: قد أَسْمَعْتَ لو كان عندك غُوَاثٌ، فإذا هي بالملك عند موضعِ زَمزَمَ، فبَحَث بجناحِنه -أو بعقِبِه- حتى ظهرَ الماءُ، فجعلت تُحَوِّضُهُ، وجعلت تقول بيدها كذا، وجعلت تغرفُ من الماء في سِقائها وهو يَفُورُ بعدما تَغْرِفُ".
قال ابن عباس: قال رسول الله ﷺ: "يَرحَمُ الله أم إسماعيلَ لو تَركَتْ زَمزَمَ لكانَتْ عَينًا مَعِينًا". وفي رواية: "لو لم تَغْرِفْ مِنَ الماءِ". قال: فشربَتْ وأرْضَعَت ولَدَها فقال لها المَلَك: لا تَخافُوا الضَّيعَةَ فإنَّ لله ها هُنا بيتًا يَبْنيه هذا الغُلامُ وأبُوه، وإنَّ الله لا يُضيِّع أهلَه. وكان البيتُ مُرتَفِعًا من الأرضِ كالرَّابيَة، وتأتيه السُّيول فتأخُذُ عنها يمينًا وشِمالًا، فكانت كذلك حتى مرَّت بهم رُفقة من جُرْهُم مُقبِلين من طريق كَدَاء، فنزلوا أسفَلَ مكَّة، فرأوا طائرًا عائفًا فقالوا: إنَّ هذا طائرٌ ليَدُورُ على ماءٍ، لَعَهْدُنا بهذا الوادي وما فيهِ ماء. فأرسلوا جَرِيّا أو جَريَّين فإذا هم بالماءِ، فرَجَعوا وأخبَرُوهم، فأقبلُوا، وأمُّ إسماعيلَ عند الماءِ، فقالوا: أتَأذَنينَ لنا أن ننزِلَ عندك؟ قالت: نعم، ولكن لا حق لكُم في الماءِ. قالوا: نعم.
قال ابن عباس: قال رسول الله ﷺ: "فألْفَى ذلك أم إسماعيل وهي تحبُّ الأُنْسَ" فنزلُوا وأرسَلُوا إلى أهالِيهم فجَاؤوا، فنزلُوا معهم، حتى إذا كان بها أهلُ أبياتٍ منهم وشبَّ الغلامُ وتعلَّم منهم العربيَّة وأنْفَسَهم وأعجَبَهم حين شبَّ، فلمَّا أدرك زوَّجوه امرأة منهم.
وماتت أمُّ إسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوَّج إسماعيل يطالعُ تركَتَه، فلم يجد إسماعيلَ، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يَبتغي لنا -أو يصيد لنا- ثمَّ سألها عن عيشِهم وهيئَتهم فقالت: نحن بشرٍّ، في ضيقٍ وشدَّة، وشَكتَ إليه. فقال: إذا جاء زرجُك فاقْرَئي عليه السَّلام وقولي له يُغيِّرْ عتبةَ بابه. فلمَّا رجع إسماعيلُ كأنَّه آنسَ شيئًا فقال: هل جاءكم من أَحَد؟ قالت: نَعَم شيخ من صفَتِه كذا وكذا، فسألني عنك فأخبرتُه، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنّا في جَهْد وشدَّة، قال: فهل أوصاكِ بشيءٍ؟ قالت: