للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعم، أمرني أنْ أقرأ عليك السَّلام ويقول لك: غيِّر عتبةَ بابكَ، فقال: ذالك أبي وقد أمرَني أن أُفارقَكِ، فالْحقِي بأهلِكِ، فطلَّقها، وتزوَّج منهم أخرى. فلبِثَ عنه إبراهيم ما شاء الله، ثمَّ أَتاهُم فلم يجدْه، فسأل عنه امرأتَه فقالت: خرج يَبتغي لنا، فسألَها عن عيشِهم وهيئَتِهم فقالت: نحن بخير وسَعَة، وأثنَتْ على الله، فقال: ما طعامُكم؟ قالت: اللَّحمُ والماءُ -وفي رواية: ما طعامُكُم قالت: اللَّحم، قال: وما شَرَابُكم؟ قالت: الماءُ، فقال اللهمَّ باركْ لهم في اللَّحم والماءِ.

قال ابن عباس: قال رسول الله : "ولم يَكُن لهم يومئِذٍ حَبٌّ، ولو كان لدَعا لهمْ فيهِ بالبَركَةِ". قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكَّة إلا لم يوافقاه -وفي رواية: فقال لها: إذا جَاء زوجُكِ فاقْرَئي عليه السَّلام ومُريه أن يُثبِتَ عَتَبةَ بابهِ- فلمَّا جاء إسماعيل قال: هل جاءَكُم من أحدٍ؟ قالت: نَعَم، شيخٌ حسنُ الهيئةِ، وأَثْنَتْ عليه، وأخبرَتْه الخَبرَ، فقال: هل أوصاكِ بشيءٍ؟ قالت: نَعَم، يَقرَأ عليك السلام ويأمُرُك أن تُثبِتَ عتبةَ بابك، فقال: ذاك أبي، وأنتِ العتبةُ، أمرني أن أمسِكَكِ.

ثم لبثَ عنهم ما شاءَ اللهُ، ثم أتاهم وإسماعيلُ يَبري نبلًا تحتَ دوحةٍ قريبًا من زَمزَم، فلما رآه قام إليه وصنَعا كما يَصنع الوالدُ بالولدِ والولدُ بالوالدِ. ثم قال: يا إسماعيلُ إن الله قد أمرني بأمرٍ، قال: فاصنع ما أمرك ربك، قال: أوتعينني؟ قال: نعم، قال: فإن الله أمرني أن أَبْنيَ ها هُنا بيتًا، وأشار إلى أَكَمَةٍ مرتفعةٍ على ما حَوْلها. فعندَ ذلكَ رفَعَا القواعِدَ من البيتِ، فجعل إسماعيلُ يأتي بالحجارَةِ وابراهيمُ يَبْني حتى إذا ارتفَعَ البناءُ جاء بهذا الحَجَرِ فوضعَه، وقام عليه يَبْني، وإسماعيلُ يُناوله الحجارةَ وهما يقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٧] الآية. وجَعَلا يَبنيَان حتى يَدُورا حولَ البيتِ. وهما يقولان الآية (١).

وفي رواية: أن إبراهيم لمّا مضى إلى الشّام رجعت إلى الصبيِّ فإذا هو كأنَّه يَنْشَغُ للموتِ، فلم تُقِرَّها نفسُها، فإذا هي بصوت فقالت: أغثْ إن كان عندك غَوْث أو خير، وإذا جبريلُ، فقال بعقِبِه على الأرضِ كذا، فانبثَقَ الماءُ، فدَهَشَتْ فجَعَلَت تحفِنُ أو تَحفِزُ (٢).


(١) صحيح البخاري (٣٣٦٤)، ومعنى: "يتلبط": يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض. "أنفسهم" كثرت رغيتهم فيه.
(٢) صحيح البخاري (٣٣٦٥) "ينشغ": يشهق ويعلو صوته وينخفض كالذي ينازع.