للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعظم خطرًا مني. وسار صَمْصام الدولة نحو واسط، فلمَّا وصل نهر سائس بعثَ مَنْ يُعَرِّفُ شرفَ الدولة، فبعث له دابَّةً (١) فركبها من المَشْرعة، ووقف شرف الدولة في خيمةٍ وبين يديه خواصُّه، وقد ارتجَّ العسكر، فلمَّا رأى أخاه قبَّل الأرض بين يديه ثلاث دفعات، وقَرُبَ منه، فقبَّل يده، فقال له شرف الدولة: كيف أنت؟ وكيف كان حالُكَ؟ وما عملتَ إلا بالصواب في وُرودك. فدعا له صَمْصام الدولة، ووقف قليلًا، ثم قال له: امْضِ وغَيِّرْ ثيابك. وخرج وقد ضُرِبَتْ له خَركاة (٢) فدخلها، وأطرق نادمًا على ما فعل، وحُملت إليه ثيابٌ كثيرةٌ ليتخيَّر منها ما يلبسه، فلم يُغيِّر ثيابه، وقُدِّم إليه طعامٌ -وكان في رمضان- فأكل شيئًا يسيرًا، وبعث شرف الدولة إلى بغداد فاحتاط على داره وإصطبلاتِه وأموالِه وأسبابِه.

وأمَّا زيار فإنه انحدر عُقيب انحدار صَمْصام الدولة، فقَبض عليه وقتله بعد ذلك، وورد شرف الدولة بغداد، فنزل في الشَّفيعي (٣) سابع عشر رمضان، واجتمع معه من الدَّيلم بضعةَ عشر ألفًا، ومن التُّرك ثلاثة آلاف غلام، فاستطال الدَّيلم على التُّرك، ووقعت المنازعةُ في الدور والإصطبلات، وركب الفريقان واقتتلوا، وعزم الدَّيلم على انتزاع صَمْصام الدولة. فقال صَمْصام الدولة: كنتُ بالشَّفيعي في خيمةٍ ليس بيني وبين شرف الدولة إلَّا خرقها، فسمعتُ نِحرير الخادم يُشير على شرف الدولة بقتلي، ويقول: نحن في أمرٍ عظيمٍ، والساعةَ يهجم علينا الدَّيلم ويأخذوه منا ويقتلونا، وشرف الدولة يمتنع، والقتال يعمل بين الفريقين، وأنا مُكِبٌّ على قراءة المصحف، وأدعو الله، إذ جاء غلامٌ فوقف على باب الخيمة التي أنا فيها وبيده سيف مسلول، وأظنُّه قيل له: إنْ هجم الدَّيلم فاقتُلْه، فلمَّا كان بعدَ ساعةٍ انهزم الدَّيلم وغلب التُّرك، وهجعَتِ الفتنة، وأصبح شرف الدولة فنزل دار المملكة، وجاءه الطائعُ مهنئًا، ولمَّا كان يوم عيد الفطر جلس شرف الدولة جلوسا عامًّا للتهنئة، ودخل الناس على طبقاتهم، وجاء صَمْصام الدولة ويده بيد أبي نصر خواشاده، فقبَّل الأرض، ووقف عن يمين السرير، وجاء بعده


(١) في (خ): دوابه، والمثبت من (ب).
(٢) خركاة: خيمة كبيرة. المعجم الذهبي ص ٢٣٧.
(٣) الشَّفيعي: بستان في بغداد. أخبار الراضي بالله ص ٧.