للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن أشراك كثيرة متَّصلة بي من كلِّ جهة، فقلت: ما هذا؟ قيل لي: هذه أسباب الخَلْق متصلة بك. فتوجَّهتُ في أمرها سنة أخرى حتى تقطَّعت كلَّها، وانفردتُ عنها، ثمَّ كُشِفَ لي عن باطني، فرأيتُ قلبي مناطًا بعلائق كثيرة، فقلت: ما هذا؟ فقيل لي: هذه إرادتك واختياراتك. فتوجَّهتُ في أمرها سنة أخرى حتى تقطعت جميعها، وتخلَّص منها قلبي، ثمَّ كُشِفَ لي عن نفسي، فرأيتُ أدواءها باقية، وهواها حيٌّ، وشيطانها مارِد، فتوجَّهتُ في ذلك سنة أخرى، فتراءت أدواء النَّفْس، وماتَ الهوى، وأسلم الشَّيطان، وصار الأمر كلُّه لله، فبقيت وَحْدي، الوجود كلُّه مِنْ خَلْفي، وما وصلتُ إلى مطلوبي بَعْدُ، فاجتذبت إلى بابِ التوكُّل لأدخل منه على مطلوبي، فإذا عنده زحمةٌ، فجُزْتُه، ثمَّ اجتذبت إلى باب التَّسليم لأدخل منه، فإذا عنده زحمة، فجزته، ثمَّ اجتذبت إلى باب الغنى لأدخل منه، فوجدتُ عنده زحمة، فجزته، ثمَّ اجتذبت إلى باب القرب لأدخل منه على مطلوبي، وإذا عنده زحمة، فجزته، ثمَّ اجتذبت إلى باب المشاهدة لأدخل منه على مطلوبي، فإذا عنده زحمة، فجزته، ثمَّ اجتذبت إلى باب الفَقْر، فإذا هو خالٍ، فدخلت منه، فرأيتُ فيه كل ما تركته، وفُتِحَ لي منه الكنز الأكبر، وأُوتيت فيه العز الأعظم، والغِنى السَّرْمَد، والحرمة الخالصة، ومُحقت البقايا، ونُسِخَتِ الصِّفات، وجاء الوجود الثَّاني.

وقال الشيخ عمر البزاز: سمعتُ سيدنا الشيخ عبد القادر ﵁ يقول: كانتِ الأحوال تطرقني في بدايتي في السِّياحة، فأقاويها، فأملكها، فأغيب منها عن وجودي، وأعدو وأنا لا أدري، فإذا سُرِّيَ عنِّي من ذلك وجدتُ نفسي في مكان بعيدٍ عن المكان الذي كنتُ فيه، وطرقني الحالُ مرَّة، وأنا في خرائب بغداد، وَعَدَوْتُ قَدْرَ ساعة وأنا لا أدري، ثمَّ سُرِّي عني وأنا في بلاد ششتر، بيني وبين بغداد اثنا عشر يومًا، فبقيت مفكِّرًا في أمري، فإذا امرأةٌ تقول: أتعجب مِنْ هذا الأمر، وأنت الشيخ عبد القادر!

وقال الجُبَّائي: قال سَيِّدنا الشيخ عبد القادر ﵁: كان إذا وُلِدَ لي ولدٌ أخذته على يدي، وقلتُ: هذا ميت فأُخرجه من قلبي، فإذا مات لم يؤثر عند موته شيئًا؛ لأني قد أخرجته من قلبي أول ما يولد.