للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسئل عن الأخذ والرَّدِّ، فقال: الأخذ مع وجود الهوى من غير الأمر عنادٌ وشقاق، الأخذ مع عدم الهوى وفاق واتِّفاق، وتركه رياءٌ ونفاق.

وسُئِلَ عن الفناء، فقال: هو أن يطالع الحقُّ تعالى سِرَّ وليِّه بأَدنى تجليه، فيتلاشى الكون ويفنى الولي تحت تلك الإشارة، وفناؤه في ذلك الوقت بقاءٌ، لكنَّه يفنى تحت إشارة الباقي، فإنْ كانت إشارة الحق نفسه، فإنَّ تجليه بنفسه، فكأنَّه ينفيه عنه، ثمَّ ينفيه به.

وسئل عن الوفاء، فقال: هو الرِّعاية لحقوق الله تعالى في الحرمات أن لا يطالعها بسِرٍّ ولا نَظَر، والمحافظة على حدود الله قولًا وفعلًا، والمسارعة إلى مرضاته بالكُلِّية سِرًّا وجَهْرًا.

وسُئِلَ عن الرِّضا، فقال: هو ارتفاع التَّردُّد، والاكتفاء بما سَبَق في عِلْم الله ﷿ في أزله، والرِّضا أن لا يستشرف القَلْبُ إلى نزولِ قضاءٍ من الأقضية بعينه، فإذا نَزَلَ قضاءٌ، فلا يستشرف القلب إلى زواله.

وسئل ﵁ عن الخوف، فقال: الخوفُ على أنواعٍ: فالخوفُ للمُذْنبين، والرَّهبة للعابدين، والخَشْية للعالمين، والوَجْد للمحبين، والهيبة للعارفين، فخوفُ المُذنبين من العقوبات، وخوفُ العابدين من فوت ثواب العبادات، وخوفُ العالمين من الشكر الخفي للطَّاعات، وخوفُ المحبين فوت اللِّقاء، وخوف العارفين الهيبة والتَّعظيم، وهو أشد الخوف؛ لأنَّه لا يزول أبدًا، وسائر هذه الأنواع تسكن إذا قوبلت بالرَّحمة واللُّطف.

وسُئِلَ عن الدُّعاء، فقال: هو على ثلاث درجات: تصريح، وتعريض، وإشارة، فالتَّصريح: ما يلفظ به، والتَّعريض: دعاء في دعاء مضمر، وقول في قول مستور، وإشارة في فعل مخفي، فمن التعريض قولُ النَّبي ﷺ: "لا تكِلْنا إلى أنفسنا طَرْفة عين" (١)، ومن الإشارة قولُ إبراهيمَ الخليل ﷺ: ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [البقرة: ٢٦٠]، يشير إلى الرؤية، والتَّصريح قول موسى ﵇: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣].


(١) كذا قال، ولم أجده مرفوعًا في دواوين السنة المعتمدة.