للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خوفًا من التقدُّم، فساءتِ السُّمْعة وقَبُحَتِ السِّيرة، وتجبَّر تجبرًا زائدًا، ولبَّس على الخليفة [وتتبع من يقع إليه بما لا يريد،] (١) ولم يجد مانعًا يمنعه، ولا صادًّا يصدُّه، فاستغاثَ النَّاسُ منه إلى الله، ودعوا عليه، فأخذه الله أَخْذَ عزيزٍ مقتدر، فسلَّط عليه الحُمَّى المحرقة، وعسر البول والحصى، فكان يستغيث الليلَ والنَّهار، فلا يُغاث، ويداوى بأنواع الأدوية فلا تنجع [فيه] (١)، فقال بعضُهم: [من المنسرح]

قالوا أبو جعفر يبول الحصى … وليس يدرون فيه ما السِّرُّ

فقلتُ هذا مما يدلكُمُ … فيه على أنَّ وَجْهَه صَخْرُ

وفيها قطع نورُ الدين الفرات، واستولى على الجزيرة والرُّها، وعاد إلى مَنْبِج، وبها يَنَال بن حَسَّان، فأخذها منه، ثمَّ أعاده إليها، فقال العماد الكاتب: [من الكامل]

أدركتَ من أمر الزَّمانِ المُشْتهى … وَبَلغْتَ من نيل الأماني المُنْتهى

لا زِلتَ نورَ الدين في فَلك العُلى … ذا غُرَّةٍ للعالمين بها البها

كلُّ الأُمور وَهَتْ وأمرك مُبْرَمٌ … مُسْتَحْكِمٌ لا نَقْضَ فيه ولا وَهَا

ما صِينَ عنك الصِّينُ لو حاوَلْتَهُ … والمَشْرِقانِ فكيفَ منْبج والرُّها

يا محييَ العَدْلِ الذي في ظِلِّه … من عَدْله رعَتِ الأُسودُ مع المَهَا

محمودٌ المحمودُ مَنْ أيَّامُهُ … لبهائها ضحكَ الزَّمانُ وقَهْقها

ما للملوكِ لدى بهائك رَوْنَقٌ … وإذا بدَتْ شَمْسُ الضُّحى خَفي السُّها

أَتْعَبْتَ نَفْسك كي تنال رفاهةً … مَنْ ليس يتعب لا يعيش مُرَفَّها

ولك الفَخَارُ على الملوكِ ودونَهُمْ … أصبحتَ من كلِّ العيوب مُنَزَّها

وفيها فوض نور الدين أمر الرُّبُط والزَّوايا والأوقاف بدمشق وحماة وحمص وبَعْلَبكّ وغيرها إلى شيخ الشيوخ أبي الفتح عمر بن علي بن محمَّد بن حَمُّويه، وكَتَبَ له العماد منشورًا، [وذكره في "البرق الشامي"] (٢).

وفيها سَلَّمَ زينُ الدين علي كوجك المَوْصِل وبلادها إلى قُطْب الدِّين، وأخذ إرْبل، ومضى إليها، فتوفي بها، وولَّى قطبُ الدِّين المَوْصل مملوكَه فخر الدِّين عبد المسيح،


(١) ما بين حاصرتين من (م).
(٢) سنا البرق الشامي: ١/ ١٣٥ - ١٣٦، وما بين حاصرتين من (م) و (ش).