للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتقاه ابن شبيب في البرية في الرَّبيع، فقال له الخليفة: أين شتَيت؟ فقال: عندك يا أمير المؤمنين. أراد الخليفة ابن شبيب، وأراد ابن شبيب عبدك.

وقبض الخليفةُ على إنسان يسعى بالنَّاس، فشفع فيه بعضُ أصحاب الخليفة، وبذل عشرة آلاف دينار [فقال له الخليفة: أنا أعطيك عشرة آلاف دينار] (١) وأحضر لي إنسانًا مثله يُؤذي النَّاس بالسِّعايات لأحبسه، وأكُفّ شَرَّه عن النَّاس.

ومن شعر المستنجد: [من الخفيف]

عَيَّرَتْني بالشَّيبِ وهو وَقارُ … ليتَها عَيَّرَتْ بما هو عارُ

إنْ تكن شابتِ الذَّوائبُ مني … فالليالي تَزِينُها الأقمارُ

وقال في بخيل:

وباخلٍ أشعل في بيته … طرمذةً (٢) منه لنا شَمْعَهْ

فما جَرَتْ من عينها دمعةٌ … حتَّى جَرَتْ من عينه دَمْعَهْ

ذكر وفاته:

مرض في ربيع الآخر أيامًا، فاحمرَّ الأُفُق، وما زالتِ الحُمْرة على الحيطان وشعاعُها متَّصلٌ بالسَّماء حتَّى مات، وكان قد فوَّضَ أمورَ العساكر إلى قُطْب الدِّين قيماز مملوكه، فأظهر الاستبداد بالأمر، وبلغه أنَّ قيماز يجتمع بالمستضيء، وأنَّ بينهما مراسلاتٍ، فتغيَّر عليهما، وكان وزيره ابنُ البلدي قد اطَّلع على الحال، وأخبر المستنجد، فأمره بالقبض عليهما، وخاف قيماز، ومرض المستنجد، وكان له طبيبٌ، يقال له ابن صفية، فخلا به قيماز، وقال: خَلِّصْنا منه وإلا قتلتُك. فقال: به حُمَّى محرقة، وليس عليه أضَرَّ من الحَمَّام. فدخل عليه قيماز وهو في فراشه، فقال: قد وَصَفَ لك ابنُ صفية الحَمَّام. فقال: لا حاجة لي فيه. وقيماز يقول: لابُدَّ لك منه. فحمله كَرْهًا وهو يقول: بلى ينفعك. فأدخله الحَمَّام، وأغلق عليه الباب، وقطع [عنه] (١) الماء البارد، فمات يوم السبت ثامن ربيع الآخر، ودفن بالدَّار وقد بلغ ثمانيًا


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) الطرمذة: المفاخرة والنفج: "تاج العروس" (طرمذ).