قال ابنُ الأخضر: دخلتُ يومًا عليه وهو مريضٌ وعلى صَدْره كتابٌ ينظر فيه، فقلتُ: ما هذا؟ قال: ذَكَرَ ابنُ جني مسألةً في النحو، واجتهد أن يستشهد عليها ببيتٍ من الشعر فلم يحضره، وإني لأعرفُ على هذه المسألة سبعين بيتًا من الشِّعْر، كلُّ بيت من قصيدة يصلح أن يستشهد به عليها.
وكان مُغزًى بشرى الكُتُب؛ حَضَرَ يومًا سوق الكُتُبيين، فَنُودي على كُتُب بخمسِ مئة دينار، ولم يكن عنده شيء، فاشتراها، وقال: أخروني ثلاثة أيام. ومضى فنادى على [ساج](١) داره، فبلغت خمس مئة دينار، فنقَضَ ساجَها، وباعه بخمس مئة دينار، فوفى [بها](١) ثمن الكتب، وبقيت الدَّار له بغير شيء.
وكان يؤدِّب أولادَ الخليفة، ويخرج من دار الخليفة وقتَ العصر، فيقف على الحِلَق في الرَّحْبة وعلى من يلعب بالشِّطْرنج، فقيل للخليفة: ينبغي أن يُصان عن مثل هذا. فأرسل إليه فيها، فقال: هذه الأماكن لا تخلو من فائدة، وما أنا ممن يدخل تحت حَجْر، فإنْ رضيتم، وإلا فالله قد أقالكم، أنا ما خطبتُ منكم هذا، أنتم خطبتموني. فقال الخليفة: دعوه على حاله. [وكان يكتب خطًّا حسنًا، وله مصنفاتٌ في النحو واللغة والعَروض والحساب وغيره](١)، وكانت وفاتُه في رمضان، ودفن قريبًا من بِشْر الحافي.
[وكان يقول الشعر](١)، ومن شعره في فتح مصر:[من الطويل]
يقولون مصرٌ قد أبانتْ وأقلعتْ … وقد سَعِدَتْ من بَعْدِ شِقْوتها مِصْرُ
وآلتْ إلى آلِ النَّبيِّ وآنست … طُمَأنينةً منهم وكان بها ذُعْرُ
وهل مصرُ إلا آبقٌ غاب بُرْهة … وعاد إلى مولًى له أَمْرُهُ أَمْرُ
فأَوسعَه صَفْحًا وأَوْلاه رحمةً … وكان له منه التَّغَمُّدُ والغَفْرُ
وقد كان فِرْعونٌ يُدلُّ بمُلْكها … ويعروه كِبْرٌ أنْ جرى تحتها نَهْرُ
فأوبقه طغيانُه وعُتُوُّه … وأرداه في اليَمِّ التَّجبُّر والكِبْرُ
وقال لموسى إذ أتاه بآية … هي الآية الكبرى ألا إنَّ ذا سِحْرُ