للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثَّالث: أنَّه لما أيقن بزوالِ دولته كان في يده خاتم، له فَصٌّ مسموم، فمصَّه، فمات.

وجلس صلاح الدين في عزائه، ومشى بين يدي جِنازته، وتولى غَسْله وتكفينه، ودفَنَه عند أهله، واستولى صلاحُ الدِّين على ما في القَصْر من الأموال والذَّخائر والتُّحَف والجواهر والعبيد والخدم والخيل والمتاع وغيره.

وكان في القَصْر من الجواهر النَّفيسة ما لم يكن عند خليفةٍ ولا ملك مما قد جُمِعَ على طول السِّنين، فمنه: القضيب الزُّمرُّذ، وطوله قبضة ونصف، والحبل الياقوت الأحمر، والدُّرَّة اليتيمة مثل بيض الحَمام، والياقوتة الحمراء وتسمى الحافر، وزنها أربعة عشر مثقالًا، ومن الكُتُب المنتخبة بالخطوط المنسوبة مئة ألف مجلد، ووَجَدَ عِمامة القائم وطَيلَسانه بحاله، بَعَثَ البساسِيريُّ بهما إلى المستنصر، ووجد أموالًا لا تعدُّ ولا تحصى.

وأفرد أهلَ العاضد ناحيةَ عن القصر، وأجرى عليهم [جميع] (١) ما يحتاجون إليه، وسلَّمهم إلى قراقوش، فعَزَلَ الرِّجال عن النِّساء، واحتاط عليهم، وفرَّق الأموال التي أخذها من القَصر في العساكر، وباع بعضَ الجواري والعبيد، وأعطى للقاضي الفاضل من الكُتب ما أراد، وبعثَ إلى نور الدِّين بعِمامة القائم وطَيلَسانه، وهدايا، وتحفًا، وطِيبًا، ومئة ألف دينار - وكان نور الدين بحلب - فلما حضرت بين يديه، قال: والله ما كان بنا حاجة إلى هذا، ما وصل إلينا عُشْر معشار ما أنفقناه على العساكر التي جهَّزناها إلى مِصْر، وما قصدنا [بفتح مصر إلا فتح السَّاحل، وقلع الكفار منه] (٢)، وأنشد:] من البسيط]

لم يُنْفقِ الذَّهبَ المُرْبي بكَثْرَتِهِ … على الحصى وبه فقرٌ إلى الذَّهَبِ

وانقضت أيَّامْ المِصْريين بوفاة العاضد، وعِدَّتهم أربعة عشر على عدد بني أمية، إلا أن أيَّامهم طالت، فملكوا مئتين وثماني سنين، وبنو أمية ملكوا نيِّفًا وتسعين سنة.

[وقد ذكرنا سيرة المصريين على وجه التفصيل، وتقلب الأمور والأحوال، ونذكرهم هنا على وجه الإجمال فنقول: أولهم] (٣):


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) في (ح): وما قصدنا بفتحها إلا فتوح الساحل، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) في (ح): وأول المصريين، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).