للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهله، فلما وصل شمسُ الدولة إلى مكَّة صَعِدَ صاحبُها إلى أبي قُبَيس، فتحصَّن منه بقلعةٍ بناها عليه، وأغلق بابَ الكعبة، وأخذ المفاتيح، فجاء شمسُ الدولة، فطاف بالبيت، وصلَّى رَكعتين، وصَعِدَ إلى باب الكعبة، وقال: اللهم إنْ كنتَ تعلم أني جِئْتُ إلى هذه البلاد لإصلاح العِباد وتمهيدها، فيسِّر عليَّ فتح هذا الباب، وإنْ كنتَ تعلم أني جئتُ لغير ذلك فلا تفتحه. ومدَّ يده، فجذب القُفْل فانفتح، فدخل [شمس الدولة] (١) إلى البيت، فصلَّى ودعا، فلما بلغ أمير مكة ذلك نزل إلى خدمته، وحمل المفاتيح، واعتذر، وقال: خفتُ منك، والآن فأنا تحت طاعتك. فقال له: إذا أخذتُ منك المفاتيح، فلمن أُعطيها؟ ثم خلع عليه وعلى أصحابه، وطيَّب قلبه، وسار إلى اليمن، فانهزم عبد النّبي بين يديه إلى زَبيد.

وكان أبوه مهدي قد فتح اليمن وقتل خَلْقًا كثيرًا، وشقَّ بطون الحوامل، وذَبَحَ الأطفال على صدور أُمهاتهم، وكان يرى رأي القرامطة، ويُظْهر أنَّه داعية لصاحب مِصْر، ويتستَّر بالإسلام. وكان قد مات قبل دخول شمس الدولة اليمن بسنين، وملك بعده ولدُه عبد النبي، ففعل باليمن أشدَّ مما فعل أبوه وسبى نساءهم، واستعبدهم، وكان أبوه لما مات بنى عليه قُبَّة عظيمة، وصفَّح حيطانها بالذَّهب [الأحمر] (١) والجواهر [ظاهرًا] (١) وباطنًا بحيث لم يُعمل في الدُّنيا مثلُها، وجَعَلَ فيها قناديلَ الذهب وستور الحرير، ومَنَعَ أهلَ اليمن من زَبيد إلى حضرموت أن يحجوا إلى الكعبة، وأمرهم بالحجِّ إلى قبر أبيه، فكانوا يحملون إليها من الأموال في كلِّ سنة ما لا يُحَدُّ ولا يحصى، ويطوفون حولها مثلما يطاف بالكعبة، ومن لم يحمل مالًا قتله، وكانوا يقصدونها من السَّحَر، فاجتمع فيها أموالٌ عظيمة.

وأقام عبد النبي على الظُّلْم والفِسْق والفجور وذَبْحِ الأطفال وسَفْكِ الدِّماء وسبي النِّساء، إلى أن دخل شمسُ الدولة إلى اليمن. وجاء إلى زَبيد، فيقال: إنَّه حَصَرَ عبد النَّبي فيها، وأَمَّنه وقيَّده وقتله [وقد ذكرناه] (١).

ويقال: إنَّه انهزم بين يديه وجاء إلى قبر أبيه والقُبَّة فهدمها، وأخذ ما كان فيها من المال والجواهر والفِضَّة، فكان على ست مئة جمل، ونبش القبر، وأحرق عظام أبيه


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).