فأخبروا أبرويز، فكتب إليه: كان ثمرة علمك، ونتيجة ما أدَّاه إليك عقلُك أن صرتَ به أهلاً للقتل والحبس، وموضعاً للعقوبة.
فكتب إليه: أما إذا كان معي السَّعدُ والجد فقد كنتُ أَنتفعُ بثمرة عقلي، والآن لما فاتني ذلك فأنا أَنتفعُ بالصبر، ولئن كنتُ فقدتُ كثيراً من الخير، فلقد استرحتُ من كثير من الشر.
فدعا به أبرويز وقال: يا عدوَّ الله المخالف. ثم أمر بكسر أنفِه، فقال: إني أهلٌ لما هو شرٌّ من هذا. قال: ولِم؟ قال: لأني كنتُ أصفك للخواص والعوام بما ليس فيك؛ لأُقرّبك إلى قلوبهم، وأرفعَ من محاسن أمورك ما لم تكن عليه. فقال: اقتلوه. فقال: يا أخبث الملوك نَفْساً وفعلاً، وشرَّ الحيوانات وأسوأَهم عِشرة، أتَقتُلني بالشك، وتدفع به اليقين الذي تيقنتَه من التمسّك بولائك، والمحافظة على الشرائع؟ فمن ذا الذي يرجو بعدي عَدلَك، ويثق بك، ويطمئن إليك؟ فقتله، ثم ندم على قتله، فاستدعى وزيراً كانت منزلتُه دون منزلة بزرجمهْر، فلما رآه قتيلاً قال: يا أخبث العالَم، انتظر أقبح من هذه القِتلة. فقتله.
قيل لبزرجمهر: مَن أحبُّ الناس إليك أن يكون عاقلاً؟ فقال: عدوّي، قيل: ولم؟ قال: لأني أكونُ منه في دَعَةٍ.
وقال: إذا كان الرِّزقُ مقسوماً، فالحرصُ باطلٌ، وإذا كانت الأمورُ بمشيئة الله تعالى، فما آفتُنا إلا العلل. وقال: مُداراة الناس نصف العقل.
ولما قتل أبرويز هذين الوزيرين، مع ما كانا عليه من النهضة والكفاية، وحسن التدبير، وسياسة المُلك، نفر عنه الخواص والعوام، وكان قد ظلم وسفك، وحمل الناس على ما لم يعهدوه منه، فقتلوه (١).
وقال أبرويز لابنه شيرويه: لا تُوسعن على جندك بسعةٍ يستغنون بها عنك، ولا تُضيّقنّ عليهم ضيقاً يَضِجُّون منك، ولكن أعطهم عطاءً قَصْداً، وامنعهم منعاً جميلاً،