للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والله لا فازَ يومَ الحَشْرِ مُبْغِضُكُمْ … ولا نجا من عذاب الله غير ولي

ولم ينلْ جَنَّة الخُلْد التي خُلِقَتْ … مَنْ خان عهدَ الإمامِ العاضدِ ابنِ علي

وبلغت صلاحَ الدين فأراد قَتْله، فلم يتمكَّن من ذلك لأنه كان مكينًا محترمًا في الدَّولة، وكان أخوه شمس الدولة يرى لعمارة، وكان خصيصًا به، فسكت على مضضٍ.

والثالث: أَنَّ صلاح الدين بلغه أنه قد اتفق مع داعي الدُّعاة وجماعةٍ من أعيان الدولة في التَّدْبير عليه، وإقامة ولد العاضد مقام أبيه، وكاتبوا الفرنج، وكان زين الدين بن نُجَيَّة الواعظ معهم، فأنهى ذلك إلى صلاح الدين، فاحضرهم، وسألهم، فلم ينكروا ولا اعترفوا، واتفقت غيبةُ شمس الدولة في اليمن، ولو كان حاضرًا ما مكَّن صلاحَ الدِّين من قتله، فأول من صُلِبَ داعي الدعاة، وقاضي القضاة بمصر وهو أبو القاسم هبة الله بن كامل، وكان عندهم في المنزلة العُلْيا، وكان فاضلًا، ومن شعره في صبي يرفأ: [من مخلع البسيط]

يا رافيًا خَرْقَ كلِّ ثوبٍ (١) … ويا رشًا حُبُّه اعتقادي

عسى بكفِّ الوصال تَرْفُو … ما مزَّقَ الهَجْرُ من فؤادي

وكان عمارة قد اجتاز قبل أن يصلب بثلاثة أيام على مصلوب، فقال: [من الوافر]

أرادَ عُلُوَّ مرتبةٍ وقَدْرِ … فأصبحَ فوقَ جِذْعٍ وهو عالي

ومدَّ على صليب الجِذْعِ منه … يمينًا لا تطولُ إلى الشِّمالِ

ونكَّسَ رأسه لعتابِ قَلْبٍ … دعاه إلى الغَوَاية والضَّلال

وهذا من أعجب الاتِّفاقات، [وأغرب الواقعات] (٢).

ولما أمر صلاح الدين بصلبه مرُّوا به على دار القاضي الفاضل، فرمى بنفسه على بابه، وطلب الدخول إليه، فلم يأذن له، ولا أجاره، فقال: [من مجزوء الكامل]

عبدُ الرَّحيم قد احْتَجَبْ … إنَّ الخلاصَ من العَجَبْ

فصلب، وهو صائم في شهر رمضان.


(١) في (ح) و (م) و (ش): يا رافيًا خرق القلوب. ولا يستقيم وزنًا ولا معنى، والمثبت من "الروضتين": ٢/ ٢٩٧.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).