للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال ابنُ الأثير: وبلغني أنَّ وقوف نور الدِّين في أبواب البر بالشام [في وقتنا هذا وهو سنة (١)] ثمانٍ وستّ مئة كل شهر تسعة آلاف دينار صورية، ليس فيها ملك فيه كلام، بل حقٌّ ثابت بالشَّرْع باطنًا وظاهرًا، صحيح الشراء (٢).

[قلت: يرحم الله المجد (٣)، أشار إلى ذلك العهد، أما في زماننا هذا فقد تشعث وقفه، وتغيرت صفاته، ولم يبق منه إلا آثاره وبركاته.

وحكى ابن الأثير أيضًا أنَّ] (٤) بعض الأُمراء [كان] (٤) يحسد القطب النَّيسابوري لقربه من نور الدِّين، فنال منه يومًا عنده، فقال له: يا مسكين، لو نظرتَ في عيب نفسك لشغلك عن عيوب غيرك، وإن صحَّ ما قلته عنه فله حسنةٌ واحدة يغفر الله له بها كل زلة، وهي العِلْم، وأنتَ وأصحابك ليست لكم عند الله حسنة، والله لأن عدت إلى ذكره أو ذكر غيره بسوء لأؤدِّبنك، فكفَّ عنه (٥).

[قال] (٤): وما كان أحدٌ من الأُمراء يتجاسر أن يجلس عنده من هيبته، فإذا دَخَلَ عليه فقيرٌ أو عالم أو ربُّ حِرْفة، قام ومشى إليه وأجلسه إلى جانبه، ويعطيهم الأموال، فإذا قيل له في ذلك يقول: هؤلاء لهم حقٌّ في بيت المال، فإذا قنعوا منا ببعضه، فلهم المِنَّة علينا (٥).

[وذكره العماد الكاتب في أول "البرق الشامي"، وأثنى عليه، فقال: وفي سنة تسع وستين وخمس مئة، وهي التي توفي فيها نور الدين أكثر فيها من الصدقات والأوقاف وعمارة المساجد المهجورة] (٦) وتعفية آثار الآثام، وإسقاط كل ما [كان فيه من


(١) في (ح): بالشام في سنة ثمان وست مئة، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) "الباهر": ١٧٢.
(٣) وهم سبط ابن الجوزي بقوله المجد، إذ إنه لقب المبارك ابن الأثير المحدث، أما لقب المؤرخ فهو عز الدين، وهو المراد هنا.
(٤) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٥) "الباهر": ١٧١ - ١٧٣.
(٦) في (ح): وقال: أكثر نور الدين الأوقاف والصدقات وعمارة المساجد المهجورة، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).