للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمرتُك بإحضاره، فقالت: ما أقنع إلا بأن يحضر [عندك] (١) في البُرْج في الليل، فأمرتُك بأن تحضره، فأحضرته، فلما كان في تلك الليلة ما تركني أنام، وبقيتُ أنا وإياها في حَرْب إلى وقت السَّحر، فهممتُ أن أفتحَ باب البُرْج وأُصعده إلى عندي، فجاءتني اليقظة، وكشفتُ رأسي، وقلتُ: إلهي، محمود عبدك المجاهد في سبيلك، الذاب عن دين نبيك الذي عَمَّر المدارس والرُّبُط وأوقفَ الأوقاف، وفعل ما فعل، تختم أعماله بمثل هذا! فسمعتُ هاتفًا يقول: قد كفيناك يا محمودُ أمره، لا بأس عليك. فعلمتُ أنه قد حَدَثَ به حَدَثٌ، وأما أنت يا سهيل فجزاك الله عن الصُّحْبة خيرًا، والله إنَّ القتلَ أهونُ عليَّ من الوقوع في المعصية. ثم قدَّم سهيلًا، وأحسن إليه.

[وحكى لي الكمال ابن البانياسي ابن أخي الشهاب، قال: حكى لي من يتولى] (٢) أوقاف نور الدين: أنه أجر بعض بساتينه لرجلٍ من دمشق على ستِّ مئة دِرْهم، فأصابتِ البساتين جائحة، [فجاء ذلك الرجل يتضوَّر، فأسقطوا عنه] (٣) ثلاث مئة دِرْهم، فلما كان بعد أيام جاء الرجل ومعه ستّ مئة دِرْهم، وهو يبكي، فقيل له: مالك؟ قال: رأيتُ في المنام وقد خَرَج عليَّ نور الدين من قبره، وبيده جوكان، وقال: أنتَ تكسر وقفي. وأراد أن يضربني، فقلتُ: أنا تائب، ورمى بالدَّراهم، [فقلنا له: خذها، فقال: لا والله أخاف أن يضربني] (١).

[وحكى] (١) الشيخ تاج الدِّين الكندي: ما تبسَّمَ نورُ الدِّين إلا نادرًا، حكى لي جماعةٌ من شيوخ المحدِّثين: أنهم قرؤوا عليه حديثَ التَّبَسُّم، وكان يرويه، فقالوا له: تَبَسَّمْ، فقال: لا والله لا أتبسَّم من غير عجب.

[و] (١) حدَّثني رجلٌ من أهل حَرَّان: قال: خَرَجَ يومًا نورُ الدِّين من حرَّان قاصدًا إلى الرُّها، فاجتاز على نهر، وفقير نائم على [جانب النهر] (٤)، فوقف وسلَّم عليه، فرفع الفقيرُ رأسه، وأشار بيده: في أيِّ شيء أنتَ؟ فحرّك نورُ الدين أُصْبعًا واحدًا، فحرَّك


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) في (ح): وقال متولي أوقاف نور الدين، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) في (ح): فجاء متضورًا، فأسقط عنه ثلاث مئة درهم، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٤) في (ح): جانبه، والمثبت ما بين حاصرتين من (م)، وبنحوه في (ش).