للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووصل كتابُ صلاح الدِّين من إنشاء الفاضل [إلى دمشق] (١)، وفيه: أدامَ الله أيَّام مولانا الملك الصَّالح، رفع الله قَدْره، وأَعْظَمَ أَجْرَ المملوك في مولانا الملك العادل وأَجْره، أصدر خدمته هذه يوم الجمعة رابع عشر ذي القَعْدة، وفيه أُقيمت الخُطْبة بالاسم الكريم، وصرّح بذكره في الموسم العظيم، والجمعِ الذي لا لغْوَ فيه ولا تأثيم، وأشبه المملوك أَمْسَه في الخِدْمة، ووفَّى بما لزمه من حقوق النِّعْمة، وجَمَع كلمة الإسلام لعِلْمه بأن الجماعةَ رحمة، والله تعالى يخلِّدُ مُلْكَ مولانا الملك الصَّالح، ويُصْلح به، وعلى يديه، ويديمُ النَّعْماء عليه [وذكر فصولًا تتعلق بالتهنئة والتعزية] (١).

ولما بلغ الفرنجَ وفاةُ نور الدِّين قصدوا بانياس (٢) طمعًا في البلاد، فراسلهم شمسُ الدِّين بن المقدَّم، وخوَّفهم بأسَ صلاح [الدين] (١)، فلم يلتفتوا، فصالحهم على مالٍ في دفعه [إليهم] (١) في ذلك الوقت، وبلغ صلاح الدين، فشقَّ عليه، وكتب إلى شرف الدين بن [أبي] (١) عَصْرُون يقول: لما بلغني وفاة المرحوم، خرجت من مصر لقصد الجهاد، وتطهير البلاد من أهل الكُفْر والعناد، فبلغني حديثُ الهُدْنة المؤذنة بذُلِّ الإسلام، وشَيْنِ شريعة المصطفى ﵊، والشيخ أَوْلى من جَرَّد لسانه في إنكار هذا الأمر، فإنَّ بلسانه تُغمد السيوف، وتجرَّد الحتوف.

وأما سيف الدِّين غازي، فإنَّه كان قد سار عن المَوْصل لنجدة عمه نور الدين، ووصل إلى حرَّان، فبلغه وفاةُ عمه، فاستولى على الجزيرة بأسرها ما خلا قلعة جَعْبر، وكان نورُ الدِّين قد أبطل الخمور والمكوس من الجزيرة، فأعادها سيفُ الدِّين، وأقام مناديًا ينادي في الأسواق، وبيده باطيةُ خمر وقَدَح وهو يشرب، فكَثُرَ التَّرحم على نورِ الدِّين، والذَّم لسيفِ الدِّين.

وأراد سيفُ الدِّين العبورَ إلى الشَّام، والاستيلاء على حلب، فقال له الأُمراء: ارجعْ إلى بلدك فقد ملكت الجزيرة، ولم يملكها أبوك، وصلاح الدين بين يديك، فعاد إلى المَوْصل، وبلغ صلاح الدين، فكَتبَ إلى أُمراء نور الدين يلومهم حيث مكَّنوا سيفَ الدِّين من أَخْذِ الجزيرة، ويقول: سوف أَصِلُ إلى خدمة ابنِ مولاي، وأُجازي إِنْعام والده عليَّ وما عاملني به.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) هي في هضبة الجولان، وبقربها الآن قلعة تعرف بقلعة النمرود.