للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل:

وفيها سُلِّمَتْ إليَّ المدرسة التي بباب الأزج، وكانت دار الوزير ابن جَهِير، وكانت بنفشا جهة الخليفة المستضيء قد اشترتها وأَوقفتها على أصحاب أحمد بن حنبل، وفوضتْ أمرها إليّ، وأوقفت عليها قرية، وحضر درسي قاضي القضاة والحاجب وأرباب الدولة، وخُلع عليَّ خِلْعة نفيسة، وذكرتُ دروسًا كثيرة، وكان يومًا مشهودًا، وخرجتُ وبين يدي الدُّعاة، وارتفعتِ الأدعية للخليفة، ووقفتِ الناسُ صفوفًا مثل يوم العيد.

قال: وأصاب أهل المذهب -يعني الحنابلة- من ذلك غم عظيم، لأنَّهم حسدوني، وجلستُ تحت المدرسة في شوَّال يوم الأربعاء، فكان الجمع زيادة على خمسين ألفًا، فازداد غمُّ أهل المذهب (١).

وكان جدي يقول: والله لولا أحمد والوزير ابن هُبيرة لانتقلت عن المذهب، فإني لو كنتُ حنفيًّا أو شافعيًّا لحملني القوم على رؤوسهم] (٢).

وفيها أعاد المستضيء أبا الحسن الدَّامَغاني الحنفي إلى قضاء القضاة ببغداد.

وفيها أمر الخليفة أن يُخلَع على رئيس الرُّؤساء خِلَع الوزَارة، وكان قطب الدِّين قيماز عدوَّه، فاغلقَ أبوابَ دارِ الخليفة، ومَنَعَ من ذلك، فأَرْسَلَ الخليفةُ إليه صَنْدَل المقتفوي يعينه، فلم يلتفت، وقال: إما أنا وإما ابن رئيس الرُّؤساء؛ لا يقيم معي في بلد. فقيل للوزير: اعبر إلى الجانب الغربي، وأَقِمْ لننظرَ في الأمر، فَعَبَر.

وفيها كانت فتنة قُطْب الدِّين قيماز المذكورة، وكان قد طمع في الدَّولة واستطال، واستقلَّ بالأمر، فلم يبقَ معه للخليفة حُكْم، وكان قد تزوَّج أُخت الأمير تتامش، واتَّفقا على الدولة، وكانت العساكر بحكمهما وهما ساكنين في دار الخلافة، ومعهما مفاتيح أبواب الدار.

وكان تتامش قد استولى على واسط والبَصْرة، وبعث نوابه فصادروا النَّاس، ونهبوا أموالهم، فجاء منهم جماعةٌ إلى بغداد، فدخلوا جامع القَصْر، واستغاثوا، وكسروا المنبر، ومنعوا الخطيب من الخُطْبة، فبعث الخليفةُ إلى قطب الدين وتتامش فنهاهما،


(١) "المنتظم": ١٠/ ٢٥٢ - ٢٥٣.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).