للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصحابه، وأعطى عِزَّ الدين فَرُّخْشاه سُرادق سيف الدين، وكان [عز الدين] (١) قد أبلى في ذلك اليوم بلاءً حسنًا.

وسار صلاح الدين، فنزل على مَنْبج، وبها قطبُ الدِّين يَنَال بن حَسَّان، فقاتله، واتَّفق وقوع ثُلْمةٍ من السُّور، فطلب الأمان على نفسه فأَمَّنه، فخرج سليبًا، وأخذَ صلاح الدين من الحِصْن ثلاث مئة ألف دينار، وعَرَضَ عليه المقام عنده، فامتنع لشنآنٍ (٢) قديمٍ كان بينهما، وسار إلى المَوْصل، فأقطعه سيفُ الدِّين الرَّقَّة.

وسار السُّلطان، ففتح حِصْن بُزاعة، ونازل حصن أَعْزاز، فأقام عليه ثمانيةً وعشرين يومًا (٣) وفتحه في ذي الحِجَّة، فقال العماد: [من الرجز]

جاز العُلا ببَأْسِهِ وجُوده … وهو أحقُّ الخَلْق باحتيازها

وحلبٌ تنفي كُمُشْتِكِينها … كما انتفتْ بغدادُ من قَيمازِها (٤)

فاليوم ذَلَّتْ حلبٌ لأَنَّها … كانت تنالُ العِزَّ من أَعْزازها

وفيها قفزتِ الإسماعيليةُ على صلاح الدِّين، وهو على أعزاز؛ جاءه ثلاثة في [زِيّ] (١) الأجناد، فضربه واحدٌ بسكين في رأسه، وكان في كُمَّته (٥) زَرَدٌ مدفون، فلم يجرحه، وخَدَشَتْ السِّكِّين خَدَّه، وقُتل داود بن منكلان، وقُتل الثَّلاثة.

فرحل صلاح الدين، ونزل على حلب، فبعث الملكُ الصَّالح أُخته خاتون بنت نور الدين في اللَّيل، فدخلتْ عليه، فأقام قائمًا، وقبَّلَ الأرض، وبكى على نور الدين، فسألتْ أن يردَّ عليهم أعزاز [فقال: سمعًا وطاعة] (١)، فأعطاها إياها، وقدَّم لها من الجواهر والتُّحَف والمال شيئًا كثيرًا، واتَّفق مع الملك الصّالح أن من حماة وما فتحه إلى مِصْر له، وأنْ يطلق الصَّالح أولادَ الدَّاية (٦).


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) الشنآن: البغض "اللسان" (شنأ).
(٣) عند العماد: حاصره ثمانية وثلاثين يومًا، انظر "الروضتين": ٢/ ٤٠٧.
(٤) انظر حوادث (٥٧١ هـ) من هذا الكتاب.
(٥) الكمة: القلنسوة المدورة. "القاموس المحيط" (كمم).
(٦) نزول ابنة نور الدين إلى صلاح الدين، وإتمام الصلح مع الملك الصالح، ورحيل صلاح الدين من بعد إلى بلاد الإسماعيلية كان في أوائل سنة (٥٧٢ هـ)، انظر "الروضتين": ٢/ ٤٢٢، وما بعدها.