للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر وفاته

كان بينه وبين شَرَفِ الدِّين بن أبي عَصْرُون ما يكون بين أبناء الدُّنيا على المناصب، وكان نورُ الدِّين يفضِّله على ابنِ أبي عَصْرون، وهو عنده بمنزلةِ الوزير، وبعث به إلى بغداد رسولًا، فكتَبَ إلى الخليفة المقتفي ورقة يقول: المملوك محمد بن عبد الله الرَّسول. فكتَبَ المقتفي عليها: .

وكان ابنُ أبي عَصْرون أقومَ منه بالفتوى، فلما مرض وبلغ ابن أبي عصرون وهو بحلب قَدِمَ دمشق، فدخل عليه وعانقه وبكيا، فلما مات تولى ابن أبي عَصْرون أمره، وخرج في جِنازته ماشيًا؛ هو وجميع الملوك مشاة: سيف الإسلام، وتقي الدين عمر، وشمس الدولة، وغيرهم، وصُلِّيَ عليه بجامع دمشق، وحُمِلَ إلى قاسيون، فدفن في سَفْحه قريبًا من الجادة عند مسجد البصارو، ولم يكن عنده من أولاده أحد، وإنما كان عنده ابنُ أخيه ضياء الدِّين أبو الفضائل.

وكان كمال الدين قد تصدَّق بجميع ما كان عنده، وأوصى بماله، ووقف أوقافًا كثيرة على أبواب البر، وقيل: إنه لم يكن له كفن، فكُفِّنَ في إحرامه، وكانت وفاته سادس المحرَّم.

وأوصى بالقضاء إلى ابن أخيه ضياء الدِّين مع وجود ولده، فآثَرَ صلاحُ الدين أن يولي القضاءَ شَرَفَ الدين بن أبي عَصْرون من غير أن يعزل ضياء الدين، وأفضى بسرِّه إلى الفاضل، وما كان صلاح الدين يمكنه عزله خوفًا من الشَّناعة ولا يصرِّح، بل يقول: هذا الشيخ ابن أبي عصرون شيخ الشَّافعية ماله منصب، أريد منصبًا أُولِّيه. ففهم ضياءُ الدِّين، فكتبَ إلى صلاح الدين يستعفي من القضاء، فأعجبه ذلك، وزاد في إقطاعه، وبعثه رسولًا إلى الخليفة.

وولى ابن أبي عصرون القضاء، وأمره أن يستنيب أبا المعالي محيي الدِّين محمد بن زكي الدِّين، فاستنابه بتوقيعٍ من صلاح الدِّين، وأقام ابن أبي عصرون قاضيًا إلى أن ضَعُفَ بصره، فأشار الفاضل بتولية أبي حامد محمّد (١)، واستمرَّ إلى سنة سبعٍ وثمانين وخمس مئة، فصُرِفَ، واشتغل محيي الدين محمّد بن زكي الدِّين بالقضاء.


(١) هو ابن شرف الدين بن أبي عصرون، وقد توفي سنة (٦٠١ هـ).