للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها وقعت واقعةٌ ببغداد، وذلك أَنَّه كان لرجل عبد وأَمَة، فعتقهما، وزوَّج العبد بالأمة، فأولدها أولادًا، وأقاما أربعين سنة على ذلك، ثم تبيَّين أن الأَمَةَ أختُ العبد لأبيه وأمه.

[الجواب: لا إثم عليهما فيما مضى لعدم العلم بحالهما، ويفرَّق بينهما في الأخوَّة، وتعتد لاحتمال أن تكون حاملًا منه، وإذا فرَّق بينهما حرمت عليه، ويجوز له النظر إليها لأنها أخته إلا أن يخاف على نفسه] (١).

وفيها كانت وقعة الرَّمْلة في جُمادى الآخرة، خرج صلاحُ الدِّين من مِصْر بالعساكر، فنزل على عسقلان، ثم رحل يريد تل الصَّافية، فازدحمتِ العساكرُ على الجسر تريد العبور، فلم يشعروا إلا وقد خالطهم الفرنج، فثبت تقيُّ الدِّين عمر، وقاتل، ثم غُلِبَ، وقُتِلَ من المسلمين خَلْقٌ كثير، وانهزمت عساكر الإسلام، وأُسر كثير، منهم: الفقيه عيسى وغيره، ولولا أنَّ الليل حَجَزَ بينهم لم يبق من المسلمين أحد. وسار صلاحُ الدِّين في الليل إلى مِصْر بغير دليل ولا ماء ولا زاد.

وكانت هذه الوقعة من أعظم الوقائع، أنكت في الإسلام، وأَوْهَنَتْ صلاحَ الدين؛ لأنَّه كاد يتلف جوعًا وعطشًا، ونُهبت خزائنه، وقُتلت رجاله، وأُسر أبطاله.

وكان مقدَّم الفرنج أرناط من أكبر ملوك الفرنج، وكان نور الدين قد أسره في وقعة حارم، وحبسه في [قلعة] (١) حلب، فأطلقه الملك الصَّالح، فجاء ومعه ملوكُ الفرنج، وما أتلف عسكر المسلمين إلا أنَّهم تفرَّقوا في السَّاحل بسبب الغارات، وكانوا زيادةً على عشرين ألفًا، ووقعت الكسرة، ومعظمهم لم يعلم، فلما عادوا من الغارات لم يجدوا صلاحَ الدِّين، ولم يكن لهم حِصْنٌ يأوون إليه، فدخلوا الرَّمْل، وتبعهم الفرنج قَتْلًا وأَسْرًا، ومن سَلِمَ منهم مات عطشًا وجوعًا، وكان يومًا عظيمًا على الإسلام لم تجبره إلا كسرةُ حِطِّين.

ورجع أرناط بجمعه إلى حماة، فأناخ عليها، وبها شهابُ الدِّين محمود خال صلاح الدين، وهو يومئذٍ مريض، وعنده سيفُ الدِّين المَشْطُوب، فقاتلهم العسكر وأهلُ حماة قتالًا عظيمًا، ولولا المشطوب لملكوها، فقطعوا أشجارها، وأحرقوا ضياعها،


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).