للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عساكر:] (١) وقدم دمشق سنة تسع وخمس مئة، وأقام بها مدَّة، وكَتَبَ عن جماعةٍ من شيوخها، ثم قَدِمَ مِصْر، وسمع بها، وسكن الإسكندرية، واستوطنها، وتزوَّج امرأة ذات يسار، فحصلت له ثروة بعد فَقْر، وبنى له بها العادل عليُّ بن [إسحاق بن] (١) السَّلَّار مدرسةً، ووقَفَ عليها وقفًا، وكانت له حرمة عظيمة بها (٢).

وكان صلاحُ الدِّين وإخوته يزورونه، ويسمعون عليه الحديث، وتوفي يوم الجمعة خامس ربيع الآخر، ودُفِنَ داخل الإسكندرية داخل الباب الأخضر بمقابر وَعْلة، وقد جاوز المئة بخمس سنين، وجوارحه بحالها، وألحق الصِّغار بالكبار، ورحل إليه الطَّلبة من البلاد، وكان حافظًا مُتْقنًا، دَيِّنًا، صدوقًا، ثقةً، سمع خَلْقًا كثيرًا، وحدَّث عنهم.

ومن شعره: [من الخفيف]

إنَّ عِلْمَ الحديثِ عِلْمُ رجالٍ … تركوا الابتداعَ للاتِّباعِ

فإذا اللَّيل جَنَّهم كتبوه … فإذا أصبحوا غَدَوْا للسَّماعِ

وقال: [من مجزوء الكامل]

قد قلتُ إذْ رفَعَ الصَّبا … حُ ذيولَ ليلِ الوَصْل عَنَّا

يا ليتَ هذا اللَّيلَ دا … م الدَّهْرَ للصَّبِّ المُعَنَّى

فاللَّيلُ أَسْتَرُ للمتيَّـ … ـــمِ والصَّباحُ عليه أجنى

وقال: [من الرمل]

أنا إنْ بان شبابي ومضى … فلربي الحَمْدُ ذهني حاضرُ

ولئن خفَّتْ وجفَّت أَعْظُمي … كِبَرًا غُصْنُ علومي ناضِرُ

ومدحه ابن قلاقس، فقال: [من الكامل]

وموطَّأَ الأكنافِ قد نَسَجَ التُّقى … ثوبًا فأفرغَه على جَنَباته

يا حافظًا يطوي صباحَ علومِهِ … ما مدَّ ليلُ الجهلِ من ظُلُماتِهِ


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) انظر "تاريخ ابن عساكر" (خ): ٢/ ٩٩.